الصورة: براهيما ويدراوغو/إيرين
يلقي المدنيون باللوم على حكومة مالي بسبب تقاعسها عن التصدي للقوات الإسلامية في الشمال
يشعر المواطنون الماليون الذين أُجبروا على العيش في ظل قوانين دينية صارمة منذ أن استولت الجماعات الإسلامية على المنطقة الشمالية من البلاد قبل تسعة أشهر بالإحباط، ويقاسمهم هذا الشعور أولئك الذين فروا إلى الجنوب بسبب التقاعس المتصور من جانب الحكومة المركزية.
وقد أعرب بعض الذين فروا عن يأسهم، إذ قال أميدو مايغا (38 عاماً) الذي فر من تمبكتو، وهو موقع مدرج في منظمة اليونسكو ولكنه وقع الآن في أيدي الإسلاميين الذين دمروا المقابر والمساجد القديمة هناك: "أنا لا أفهم تقاعس الحكومة ورد فعل المجتمع الدولي. الجميع يتحدثون، وهناك خطب لطيفة كل يوم، ولكن دون اتخاذ أية إجراءات على أرض الواقع".
وأضاف أن "المحتلين ينتهكون حقوق الناس الأساسية ويمارسون الاغتصاب والسرقة والبتر وتدمير الممتلكات. وفي هذه الأثناء، يتقاتل السياسيون للفوز بالمناصب في باماكو. إنه لأمر مؤسف للغاية. لقد أصبحنا نحن الشماليون في طي النسيان".
وقد حظر الإسلاميون الموسيقى العلمانية وكرة القدم والكحول ويقال أنهم أنزلوا عقوبات قاسية، من بينها بتر أطراف المتهمين بانتهاك هذا الحظر.
وقال موموني دامانغو، رئيس لجنة إدارة الأزمات في بلدة موبتي بوسط البلاد، أنه ينبغي منح الجيش الوقت الكافي لكي يستعد لشن هجوم ضد الجماعات الإسلامية في الشمال. وأضاف قائلاً: "أتفهم تماماً الغضب والحاجة للذهاب إلى الحرب، لكن عليهم [الناس في الشمال] أن يعلموا أن الاستعدادات للتدخل تجري على قدم وساق".
في الوقت نفسه، يفكر بعض المدنيين في الانضمام إلى مجموعة تقوم بالتدريب على القتال في مدينة سيفاري بوسط البلاد، على أمل أن يدفع ذلك الحكومة للتحرك.
وقال عمر مايغا، وهو من سكان غاو، إحدى المدن الشمالية الرئيسية التي تقع تحت سيطرة الإسلاميين: "بما أن جيشنا لا يريد القتال، إذا أتيحت لي الفرصة، لن أتردد في الانضمام إلى مجموعة تقوم بالتدريب على الدفاع عن النفس. إنهم على الأقل يعرفون ماذا يريدون ويريدون القتال".
وقال موسى سيسيه من مؤسسة أورانج للإغاثة: "إذا بذلت الحكومة المزيد من الجهود لمساعدة النازحين، فإن هذا من شأنه أن يهدئ الغضب، لكن المنظمات غير الحكومية تساعد النازحين أكثر من السلطات في باماكو".
وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الأمن الدولي قرر يوم 20 ديسمبر 2012 منح تفويض بالتدخل العسكري في مالي، ولكن من غير المتوقع أن تصل القوات على الأرض إلا في وقت لاحق من هذا العام. وتواجه حكومة مالي المؤقتة التي تم تشكيلها بعد انقلاب 22 مارس الماضي خلافات داخلية عديدة، أهمها اضطرار رئيس الوزراء للاستقالة في شهر ديسمبر.
وقال أمادو هايا سانوغو الزعيم السابق للانقلاب، الذي أجبر شيخ موديبو ديارا على الاستقالة من رئاسة الوزراء بزعم أنه كان يحول دون تحقيق "التحول السياسي"، أن الاستعدادات جارية لاستعادة السيطرة على شمال البلاد. ويحتفظ سانوغو بالنفوذ السياسي على الرغم من تسليم السلطة إلى المدنيين بعد الإطاحة بالرئيس السابق أمادو توماني توريه.
وقال سانوغو للصحفيين في 25 ديسمبر: "تأكدوا من أننا نعمل على استعادة السيطرة على المناطق المحتلة. لا أستطيع الكشف عن الاستراتيجية العسكرية التي نعدها حالياً. أعلم أن صبر الناس يوشك على النفاذ وأنهم على حق. إن الجيش يستعد ونحن نعمل على رفع الروح المعنوية للقوات. فالمضي قدماً، ثم اللجوء إلى التراجعات التكتيكية في وقت لاحق أمر غير وارد. إذا بدأنا بشن الحرب، فلن تكون هناك عودة إلى الوراء".
الأسر المضيفة تعاني
وتعاني الأسر في بلدات جنوب مالي، التي تستضيف الأقارب الذين فروا من الشمال بسبب انعدام الأمن والجفاف الشديد الذي اجتاح منطقة الساحل في عام 2012.
يعيش في منزل محمد توريه في مدينة موبتي بوسط البلاد، 21 شخصاً الآن، من بينهم 14 من أفراد أسرة أخيه. وقال توريه لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "أقسم لكم أنني أذهب إلى السرير، ولكنني لم أعد قادراً على النوم".
وأضاف الموظف الحكومي قائلاً: "كيف تطعم 21 شخصاً، وترعى صحتهم وتأويهم براتب قدره 100,000 فرنك أفريقي (200 دولار أمريكي)؟ نحن، كأسرة مضيفة، نحصل على كيسين من الدخن وخمسة كيلوغرامات من السكر فقط منذ أن أصبحت مسؤولاً عن هؤلاء الناس".
"لم أتوقع مطلقاً أن يستغرق تحرير الشمال كل هذا الوقت. إن السلطات والجيش تمنح العصابات المسلحة وقتاً أكثر مما ينبغي. في الواقع، هذا لم يكن من الأولويات على الإطلاق. لا يحدث شيء سوى المحادثات دون إجراءات ملموسة".
وتحاول الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) حل أزمة مالي التي طالت عدة أشهر، والتي سمحت لجماعات إسلامية بفرض سيطرتها على الشمال. كما بدأت المنظمة الإقليمية، التي تضغط لنشر قوة تدخل، محادثات مع جماعة أنصار الدين الإسلامية وحركة الطوارق الوطنية لتحرير أزواد الانفصالية.
وقال الهمدوم المقيم في تمبكتو: "يجب أن يكون جيشنا هو أول جيش على الأرض. ولا ينبغي أن ينتظر قوات تابعة للإيكواس أو ضوءاً أخضر من الأمم المتحدة. إذا انتظرنا الأمم المتحدة، لن يتحرر الشمال أبداً لأن بعض الدول لا تبحث إلا عن مصالحها الخاصة".
أما الحاج عمر بوكوم، وهو إمام مسجد في سيفاري، فيعتقد أن التوصل إلى اتفاق سلام مع الإسلاميين سيجنب المدنيين مخاطر الحرب.
وأوضح قائلاً: "رغبتنا ألا تراق الدماء مرة أخرى في هذا البلد. إن الحل المثالي هو أن يتوصل المحتلون في الشمال والسلطات في باماكو إلى اتفاق دون إطلاق رصاصة واحدة".