الصورة: طارق سعيد/إيرين
أصبح عمال الإغاثة في مجال مكافحة شلل الأطفال أهدافاً للهجمات الإرهابية
دون أي سابق إنذار أو تحذير، قام مسلحون بقتل سبعة من موظفي الإغاثة الذين يعملون مع إحدى المنظمات غير الحكومية المحلية وتدعى Support With Working Solution في منطقة صوابي في إقليم خيبر بختون خوا في باكستان مطلع هذا العام. وفي حديث إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أكد جافيد أختر، المدير التنفيذي للمنظمة: "لم نتلق أي تهديد مباشر منذ أن بدأنا العمل في أوائل تسعينيات القرن الماضي، إلا أن المنظمات غير الحكومية الأخرى في منطقة صوابي قد شعرت بالتهديد".
من جهته، قال كريس كورك، مستشار الأمن القطري لمؤسسة عباسين التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، وهي منظمة غير حكومية تعمل أساساً في إقليم خيبر بختون خوا: "وصلت تهديدات الإرهاب التي تطال أمن المنظمات غير الحكومية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. فلم يسبق لي منذ 20 عاماً تقريباً أن سمعت بأوضاع بهذه الخطورة".
وقد ارتفع عدد الهجمات التي طالت عمال الإغاثة خلال الأسابيع القليلة الماضية، ويرتبط العديد منها بحملة وطنية لاستئصال شلل الأطفال في واحدة من دول العالم الثلاث الأخيرة التي ما زال هذا المرض متوطناً فيها. وكان صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ومنظمة الصحة العالمية قد علّقا في ديسمبر 2012 حملة التطعيم ضد شلل الأطفال بعدما قُتل تسعة من عمال الإغاثة في هجمات في كراتشي وإقليم خيبر بختون خوا. وكان عمال الإغاثة الذين يكافحون شلل الأطفال، بما في ذلك العاملون مع الأمم المتحدة، قد استُهدفوا أيضاً في وقت سابق من عام 2012.
وحتى عمال الإغاثة الذين يعملون خارج نطاق حملة شلل الأطفال بدأوا يشعرون بمزيد من العداء لعملهم. ففي اعتداء حصل مؤخراً، قُتل اثنان من موظفي الإغاثة التابعين لمؤسسة الخدمات عندما أطلق النار عليهم في مدينة تشارسادا بشمال غرب البلاد. وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة الخدمات هي منظمة غير حكومية تعمل في مجال التعليم.
أمّا بريجيتا ألميبي (71عاماً)، وهي امرأة سويدية تقوم بالأعمال الخيرية، وقد عملت في البلاد لمدة 38 عاماً مع جمعيات مرتبطة بالكنيسة، فقد توفيت في مستشفى في ستوكهولم إثر إطلاق نار تعرّضت له في مدينة لاهور بشرق البلاد. وفي أبريل 2012، عُثر على خليل دايل، وهو مسلم بريطاني يعمل في مجال الصحة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مقطوع الرأس بعد أن تمّ خطفه في كويتا، ما أدى إلى "تقليص" أنشطة اللجنة في البلاد لعدة أشهر.
دعوات للحصول على حماية أكبر من الدولة
وقال كورك من مؤسسة عباسين أنه بسبب "الحمى الحالية، سيموت المزيد من عمال الإغاثة، حيث لا تستطيع في بعض الحالات ولا تريد في حالات أخرى تقديم الحماية. وإلى حين تقرر الدولة الوفاء بجانبها من العقد الاجتماعي، يبقى جميع العاملين في الميدان، لاسيما النساء في مجال الصحة والتعليم، معرّضين لمستويات مرتفعة من الخطر".
من جهتها، تقول حكومة إقليم خيبر بختون خوا أنها تبذل قصارى جهدها لحماية عمال الإغاثة. وفي حديث لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال ميان افتخار حسين، وزير الإعلام في حكومة خيبر بختون خوا: "نحن نعارض التشدد، وعلى استعداد للقيام بكل ما هو ممكن لضمان حصول المحتاجين على المساعدة التي يحتاجون إليها - سواء كان هذا في تقديم لقاح شلل الأطفال أو التعليم أو غيرها من المساعدات".
ويشعر عمال الإغاثة بأنهم معرّضون للخطر من جراء هذه الهجمات: فخلال حملة تلقيح ضد شلل الأطفال أقامتها مؤخراً وزارة الصحة المحلية في وكالة باجور القبلية، دامت لمدة ثلاثة أيام، قال طبيب، طلب عدم الكشف عن هويته، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "رفضت العديد من النساء اللواتي يعملن في مجال الإغاثة الذهاب إلى الميدان بسبب الخوف"، على الرغم من أن الحملة سلمية.
في الوقت نفسه، سعى خالد خان، رئيس رابطة المسعفين في منطقة مانسيرا في إقليم خيبر بختون خوا إلى تأمين الحماية للعمال في مجال مكافحة شلل الأطفال. وقال خان لوسائل الإعلام أن عمال الإغاثة في مجال مكافحة شلل الأطفال لن يتمكنوا من أداء واجباتهم ما لم يُمنحوا الحماية اللازمة.
وفي هذا المجتمع الباكستاني المنقسم، يعمل عمال الإغاثة في مساحة مريبة إلى حد كبير وهم غير مرحب بهم دائماً.
وفي تقرير صدر مؤخراً عن المنتدى الإنساني في باكستان، وهي منظمة مظلة لأكثر من 40 منظمة غير حكومية تعمل في مجال الإغاثة، تبيّن تدهور الوضع بالنسبة لعمال الإغاثة الدوليين، في ظل فرض قيود أكثر على التأشيرات التي تُمنح لأولئك الذين يسعون لدخول باكستان أو البقاء فيها.
وقد لوحظ في الفترة الممتدة بين يناير وسبتمبر 2012، انخفاض عدد عمال الإغاثة الدوليين بنسبة 60 عاملاً عبر المنظمات غير الحكومية الدولية، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى التأخير في الحصول على التأشيرات أو تجديدها.
ونفى ميان افتخار حسين أي علم بذلك، إلاّ أن مسؤولاً في مكتب وزارة الخارجية في إسلام آباد، طلب عدم الكشف عن اسمه، أكد لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه "في كل مرة يتم فيها إصابة أو خطف أو قتل أحد عمال الإغاثة الدوليين في باكستان، يكون الأمر محرجاً للغاية بالنسبة إلى الحكومة. لهذا السبب، قد يكون هناك تردد بالسماح لدخول المزيد من عمال الإغاثة".
أصول العداء
وفي الوقت الذي تبدو فيه المبادئ الإنسانية المتمثلة بالإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلال غير مهددة، وجد عمال الإغاثة أنفسهم محاصرين في التوترات السياسية والعرقية والدينية.
وأكد المسؤول من مكتب وزارة الخارجية لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن: "’المقاتلين‘ يخشون أن يكون العاملون في مجال الصحة وفي المنظمات غير الحكومية جواسيس، قد يصلون الى مجالات أخرى،" ويعود هذا الادعاء إلى عام 2011، والذي تم تعزيزه لدى مقتل زعيم تنظيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن في شهر مايو من العام المذكور.
وكان شاكيل أفريدي، وهو طبيب حكومي، قد جمع في عام 2011 عينات من الحمض النووي من منزل سكني في أبوت أباد، ساعدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على تحديد مكان وجود بن لادن، الذي قتل في غارة أمريكية. ويزعم أن أفريدي، الذي حكم عليه 33 عاماً في السجن منذ ذلك الحين، انتحل دور ملقّح ضد شلل الأطفال في وكالة خيبر من أجل جمع العينات.
وفي حديث لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال إحسان الله إحسان، المتحدث باسم مجموعة تحريك طالبان المتشددة، أن: "أفريدي كان خائناً وبطبيعة الحال يشك الناس الآن بجميع العاملين في حملة مكافحة شلل الأطفال بأنهم عملاء للولايات المتحدة الأمريكية."
من جهتها، قالت شهيدة بيبي (40 عاماً) التي تعمل في مجال الصحة في منطقة مردان في إقليم خيبر بختون خوا، والتي شاركت بانتظام في حملات مكافحة شلل الأطفال: "لا بد أن يكون هذا عامل من العوامل التي أدت إلى الهجمات الأخيرة على العاملين في مجال مكافحة شلل الأطفال." كما ذكرت أسباباً أخرى مثل أن "رجال الدين ينشرون في بعض الأحيان أسطورة تقول أن لقاح شلل الأطفال يؤدي إلى العقم وهو ’مؤامرة غربية‘ للحد من المسلمين في العالم "، ما أدى في بعض الأحيان إلى رفض الوالدين تلقيح أطفالهم.
وتبدو المخاوف الأمنية وكأنها تعرقل الجهود المبذولة لتقديم المساعدات واستئصال شلل الأطفال بشكل خاص. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، شهدت باكستان 198 حالة شلل أطفال في عام 2011- أي أكثر من أي مكان آخر في العالم.