الصورة: جاسبرت كيندرا/ إيرين
أم من مالي وطفلها في مخيم مبيرا في شرق موريتانيا
لم يعد عزل اللاجئين في المخيمات الريفية هو المعيار السائد، إذ تشير أحدث التقديرات إلى أن نصف اللاجئين تقريباً يتدفقون إلى المناطق الحضرية بينما يذهب ثلثهم فقط إلى المخيمات الموجودة في المناطق الريفية، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وعلى الرغم من قيام منظمات الإغاثة بتعديل النهج التي تتبعها، إلا أنها ما تزال تكافح من أجل أن تتوافق استجابتها مع سياساتها.
وقد قطعت المفوضية شوطاً طويلاً منذ عام 1997 عندما كان منهجها يفترض تجنب الاستجابة لاحتياجات اللاجئين في المدن والبلدات. وفي عام 2009، التزمت المفوضية بسياسة أقرت بحق اللاجئين في التنقل بحرية مؤكدة أن التزامها بحمايتهم لا يتأثر بموقعهم.
وتقول المنظمات الإنسانية أن هناك ايجابيات لتوفير الدعم في المناطق الحضرية حيث تتزايد فرص اللاجئين في العثور على عمل (عندما يسمح لهم بالقيام بذلك من قبل السلطات المحلية) ويصبح لديهم اكتفاء ذاتي. وعلى الرغم من أن التكاليف في البداية قد تكون أعلى، إلا أنها تقل على المدى الطويل. وقال جيف كريسب، مدير تقييم وتطوير السياسات في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن الحياة في المناطق الحضرية تكون أكثر منطقية بالنسبة للكثير من اللاجئين الذين نزحوا من مناطق حضرية.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت كيلي ليسون، المسؤولة عن استراتيجية اللاجئين في المناطق الحضرية في لجنة الإنقاذ الدولية أن "اللاجئين الذين يأتون عادة إلى المراكز الحضرية يأتون من أجل الحصول على وظائف- وينبغي الإشادة بهذا الدافع والطموح وهو ما يثير السؤال التالي: كيف نستطيع الاستفادة من هذا الدافع والطموح لمساعدتهم على البقاء على قيد الحياة بمفردهم؟"
وقالت دومينيك هايدي، مديرة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في الأردن أن اللاجئين السوريين استفادوا من وجودهم في المناطق الحضرية مضيفة أنه "أمر ايجابي إذا نظرت إلى الدروس المستفادة من العراقيين في الأردن. فالظروف المعيشية أكثر من طبيعية، فأنت لست في بيئة المخيم وتحركاتك ليست مقيدة. وعلى الرغم من صعوبة الحصول على الخدمات، إلا أنهم على دراية من خلال الشبكات غير الرسمية بكيفية الحصول عليها. فالمناطق الحضرية تعتبر مناطق أفضل للاجئين".
وأضافت هايدي أنه "من الأسهل إحصاء الناس في المخيمات وتوفير المدرسة والمركز الصحي لهم. ولكن اللاجئين يفضلون العيش في شققهم الخاصة وأن يكونوا قادرين على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم مع الحصول على مساعدة نقدية".
كينيا
فر العديد من اللاجئين البالغ عددهم ما بين 45,000 إلى 100,000 لاجئ في العاصمة نيروبي من مخيمات داداب وكاكوما بسبب انعدام الأمن وانعدام فرص التوظيف.
وتظهر التجارب في الحالات طويلة الأجل أن ظروف المخيمات تتدهور تدريجياً بسبب تراجع اهتمام الجهات المانحة. وقال كريسب أنه "حتى في بيئة تنافسية مثل نيروبي يمكنك أن تكسب قوت يومك بطريقة ما".
ولكن الحكومة الكينية أصدرت في شهر ديسمبر 2012 أوامر للاجئين المقيمين في نيروبي بالعودة إلى داداب وكاكوما بعد سلسلة من الهجمات في المنطقة الصومالية شمال شرق كينيا وفي العاصمة نيروبي.
وقد وجدت لجنة الانقاذ الدولية أنه عندما يتعلق الأمر بخلق فرص للاجئين في المناطق الحضرية فإن البرامج تعمل بشكل أفضل عندما تستهدف اللاجئين والسكان المضيفين لهم. وكان ذلك واضحاً في حالة نيروبي حيث تعاونت تلك البرامج مع شركة نايكي التي تدير برنامج امتياز صغير لتدريب النساء في المرحلة العمرية من 17 إلى 19 عاماً على إنشاء مشروعات صغيرة.
وقالت ليسون: "نحن نحاول بناء شبكات حتى لا تكون هناك مجموعات معزولة ولكي يستطيع اللاجئون الانخراط مع المجتمعات المضيفة".
وأضافت أنه "من الواضح أن اللاجئين سيواجهون قضايا حماية محددة ولكن ما يريدونه بصفة عامة هو العمل والصحة والتعليم- وهذا ما يريده الجميع أليس كذلك؟"
وقال كريسب من مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أن الصعوبة تكمن في رسم الخط الفاصل بين الاستجابة لاحتياجات اللاجئين وحل مشاكل الفقراء في المناطق الحضرية. ويميل اللاجئون إلى الاستقرار بين المجتمعات الفقيرة والضعيفة الأخرى بما في ذلك المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين وطالبي اللجوء المرفوضين ولكل منهم احتياجاته الملحة.
ويمكن للتوترات أن تثار بسهولة إذا تم توجيه المساعدات إلى مجموعة دون غيرها.
وطبقاً لما ذكرته مجموعة السياسات الإنسانية لمعهد التنمية الخارجية، فقد أظهرت الدراسات التي جرت على المهاجرين المقيمين في نيروبي أن اللاجئين غالباً ما يدفعون ايجارات أعلى من الكينيين وتفرض عليهم رسوم أعلى مقابل خدمات الصحة العامة والتعليم.
برامج شاملة
وتعمل لجنة الانقاذ الدولية في مدينتي سان دييغو ونيويورك بالولايات المتحدة مع السلطات المحلية للحصول على أراض للاجئين السابقين من بوركينا فاسو وميانمار والكاميرون وجميع المناطق التي تم إعادة توطينهم فيها لكي يقوموا بزراعة البساتين في المناطق الحضرية. ولتجنب التوترات وتشجيع الاندماج يدعو البرنامج السكان المحليين أيضاً إلى المشاركة.
وتشمل الاستجابة في المناطق الحضرية العمل مع شركاء جدد مثل السلطات البلدية حتى يتم دمج اللاجئين في نظم التعليم والصحة القائمة بدلاً من إنشاء نظم موازية. وقال كريسب أن "تلك السلطات الحضرية هم شركاء جدد ونحن في المراحل المبكرة من الانخراط معهم... وهذا ينطوي على تحول كبير".
وطبقاً لما ذكرته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن السلطات المحلية ليست دائماً مستعدة للتعامل مع احتياجات اللاجئين وقد تعطي المخيمات الريفية الأولوية في المساعدات عن المخيمات الحضرية.
موريتانيا
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت جماعات اللاجئين في العاصمة نواكشوط أن السلطات المحلية ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين في موريتانيا مارسوا ضغوطاً على اللاجئين للبقاء في مخيم مبيرا في الشرق حتى يحصلوا على المساعدات.
ويواجه اللاجئون في أماكن أخرى- بما في ذلك اللاجئون السوريون في تركيا على سبيل المثال- موقفاً مشابهاً.
وقد تم تسجيل حوالي 57,000 لاجئ في مخيم مبيرا في موريتانيا، في حين تشير تقديرات جمعية اللاجئين وضحايا أزاواد وجمعية المجتمع الحضري في نواكشوط التي تمثل السلطات البلدية التسعة لنواكشوط إلى أن 15,000 شخص إضافي من سكان مالي قد فروا إلى العاصمة ولكن لم تحدث عملية تسجيل لهم في المناطق الحضرية ولذلك فإن عددهم غير معروف.
ولا يوجد لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين خطط فورية لمعالجة احتياجات اللاجئين المقيمين في نواكشوط. وقالت إليز فيليتشالاني، مسؤولة التقارير في مكتب المفوضية في نواكشوط في نهاية عام 2012 أن "السلطات كانت واضحة جداً بشأن تقديم المساعدات الإنسانية للموجودين داخل المخيم. فاستراتيجيتنا هنا ليست موجهة للاجئين في المناطق الحضرية في العاصمة".
وأضافت أن "أولويتنا هي إنقاذ الأرواح فوراً. وقد يتطور ذلك بمرور الوقت ولكن تلك هي أولويتنا في الوقت الحالي".
وجاء مواطنو مالي الموجودون في نواكشوط من شمال مالي الذي يسيطر عليه الإسلاميون ومن كاتي وباماكو في الجنوب بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في مارس 2012. وأشارت جماعات اللاجئين إلى أن العديد من اللاجئين هم من المسؤولين الحكوميين السابقين أو أفراد آخرين لديهم بعض وسائل العيش وبالتالي فإنهم غير مؤهلين للاستفادة من المساعدات المقدمة للضعفاء.
وغالباً ما يكون اللاجئون الذين يصلون إلى المدن الكبيرة أكثر تعليماً ولديهم المزيد من الوسائل للوصول إلى العاصمة في المقام الأول.
وقال كريسب أن المنظمات الإنسانية قد ابتعدت عن فرضية أن "الرجال الشباب أقوياء البنية هم فقط الذين يصلون إلى المدن الكبيرة. فنحن نعرف أنهم مجموعة متنوعة من النساء والأطفال والرجال والمعاقين والضعفاء".
وقالت زكياتو أواليتي ألاتين الوزيرة السابقة في مالي والمتحدثة حالياً باسم جمعية اللاجئين وضحايا أزاواد أن العديد من سكان مالي قد وصلوا إلى نواكشوط خاليي الوفاض حيث استهلكوا مواردهم للوصول إلى هنا. وأضافت قائلة: "العديد منا وصل خالي الوفاض. وقد وجد بعض الشباب وظائف ولكن العديد منهم يتم استغلاله لأنهم لا يتمتعون بوضع اللجوء. ويعتمد معظم اللاجئين على أقارب لهم. والأقلية منهم تتسول للحصول على المال".
وقالت كل من ألاتين وصفية بنت مولاي ممثلة جمعية كرامة التي تمثل اللاجئين الماليين في نواكشوط أن أكثر ما يحتاجه اللاجئون في المناطق الحضرية هو أوراق الهوية. فبدون بطاقات اللاجئين لا يمكنهم الحصول على وظيفة أو الذهاب إلى المدرسة. وقالت مولاي أن "هؤلاء الناس لديهم احتياجات حقيقية... والحصول على أوراق هوياتهم هو مفتاح كل شيء. فإذا كان لديهم أوراق سيكون لديهم الحق حينها في الحصول على مساعدات غذائية وبطانيات ومأوى وحماية".
وقالت ألاتين أن اللاجئين لا يريدون الذهاب إلى مخيم مبيرا حيث لن يتمكنوا من العمل مطلقاً. وقد انتقد اللاجئون حياة المخيمات ونقص المدارس.
وقال محمد فؤاد، المستشار لدى جمعية المجتمع الحضري في نواكشوط أن الجمعية جنباً إلى جنب مع الجمعية الدولية لرؤساء البلديات في الدول الفرنكوفونية قدمت 60,000 يورو (78,500 دولار) كمساعدات غذائية للاجئين في المناطق الحضرية، ولكن هناك حاجة إلى موارد من مصادر أخرى في المستقبل.
التحول في العقلية أمر مطلوب
وقالت ليسون من لجنة الانقاذ الدولية أن الحصول على استجابات لاحتياجات اللاجئين في المناطق الحضرية بصورة صحيحة يتطلب تحولاً في التفكير، مضيفة أنه "لا يمكننا أن نقول دعنا نفعل ما كنا نفعله من قبل ونترجمه إلى مكان حضري. نحتاج إلى التفكير أكثر بشأن ما نفعله".
وتقول وكالات اللاجئين أنه في الكثير من الأحيان يقوم اللاجئون بالفرار من انعدام الأمن في المخيمات ليجدوا أشكالاً جديدة من انعدام الأمن في المدن. وغالباً ما يكون اللاجئون في المناطق الحضرية كثيري التنقل وغير مرئيين، مما يزيد من صعوبة حمايتهم. وقد أشارت دراسة للاجئين في نيروبي قام بإجرائها جمعية السياسات الإنسانية ولجنة الانقاذ الدولية واتحاد اللاجئين في كينيا إلى أن اللاجئين في المناطق الحضرية كانوا خائفين جداً من الترحيل لدرجة أنهم كانوا يخفون أنفسهم ولا يطالبون بحقوقهم. وأوصت الدراسة كذلك بضرورة الضغط على الدول المضيفة لكي تعترف بحقوق اللاجئين في الحماية وتعطيهم وضع قانونياً واضحاً.
وأضافوا أن جمعيات اللاجئين في نواكشوط تقوم بحملة مع الحكومة ولكن هناك تحول قليل.
وقال كريسب أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مازالت تتعلم ولكنها خصصت وقتاً وموارد من أجل تحويل سياسة اللاجئين في المناطق الحضرية إلى ممارسة عملية أكثر مما خصصته لأي استراتيجية أخرى.
وأضاف كريسب قائلاً: "مازلنا في المرحلة الانتقالية، وهي ليست واضحة تماماً الآن بالنسبة للجميع. لكننا نحتاج إلى إعداد وتأهيل الجميع في السياق الحضري".
وتقوم المنظمة بجمع أفضل الممارسات في الاستجابات الحضرية على مستوى العالم بما في ذلك في ماليزيا وأثيوبيا وأوغندا والإكوادور والهند وطاجيكستان وبلغاريا وهو ما سيكون متاحاً في صورة قواعد بيانات هذا العام.
وأشار كريسب إلى أن تحويل أفضل الممارسات إلى واقع منهجي سوف يتطلب حتماً المزيد من الموارد. وقد قامت المفوضية بإطلاق نداءات بلغت قيمتها 3.6 مليار دولار في عام 2012 نتيجة للعديد من أزمات اللاجئين الكبيرة، غير أن التمويل غير متوفر لتخصيص أو تدريب العاملين المكرسين خصيصاً لمواجهة تحديات الاستجابة الحضرية.