الصورة: عصام عبدالله /إيرين
سوريون يحصلون على مساعدات إنسانية
بدأت وكالات الأمم المتحدة العاملة في سوريا بنقل مقراتها وتقييد حركة موظفيها بسبب تزايد انعدام الأمن في البلاد الذي بدأ يقترب من العاصمة دمشق. كما قررت المنظمة إجلاء جميع الموظفين الدوليين غير الأساسيين من سوريا ووقف جميع الرحلات الميدانية خارج العاصمة في الوقت الراهن.
وفي هذا السياق، قال رضوان نويصر، المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا، في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "الوضع الأمني أصبح صعباً للغاية، بما في ذلك الوضع في دمشق" مضيفاً أنه "طالما لا يتم تطبيق القانون الدولي الإنساني بشكل كامل من قبل جميع أطراف هذا النزاع، وطالما أن سلامة العاملين في المجال الإنساني غير مضمونة بالكامل، فإنه ينبغي على وكالات الأمم المتحدة أن تعيد النظر بحجم وجودها في هذا البلد، فضلاً عن طريقة توصيلها للمساعدات الإنسانية".
وتجدر الإشارة إلى أن ثمانية من موظفي الأمم المتحدة لقوا مصرعهم منذ بداية الصراع بسبب انعدام الأمن بشكل عام، بالإضافة إلى 18 متطوعاً تابعاً للهلال الأحمر العربي السوري، سبعة منهم قتلوا أثناء تأديتهم لعملهم.
وبينما يحتدم الصراع في أجزاء أخرى من البلاد منذ ما يقرب العامين، ظلت العاصمة دمشق آمنة تماماً حتى الآونة الأخيرة. ولكن في الأسبوع الماضي، أُغلق المطار الرئيسي أكثر من مرة وأُلغيت الرحلات الجوية الدولية إلى سوريا بعد عدة هجمات من قبل الثوار. في إحدى المرات، ظل موظفو الأمم المتحدة الذين كانوا قد وصلوا لتوهم عالقين داخل المطار بسبب اندلاع اشتباكات خارجه. وفي حادث آخر، أصيب اثنان من الموظفين عندما علقت قافلة تابعة للأمم المتحدة في منطقة تبادل لإطلاق النار بالقرب من المطار. وفي الأسبوع الماضي، انفجرت عدة قنابل خارج جرمانا، وهي ضاحية قريبة جداً من وسط دمشق.
وقال صابر موغل، كبير مستشاري الأمم المتحدة لشؤون الأمن في سوريا، أن "الوضع يتغير بشكل سريع، وهناك خطر متزايد على العاملين في المجال الانساني نتيجة لإطلاق النار العشوائي أو الاشتباكات بين الطرفين".
كما تم قطع خدمات الإنترنت في جميع أنحاء البلاد لأكثر من 48 ساعة خلال عطلة نهاية الأسبوع، وتوقفت تغطية الهاتف الجوال لفترة وجيزة.
تدابير أمنية جديدة
وقامت كل وكالة تابعة للأمم المتحدة بتحديد المهام الضرورية لموظفيها داخل سوريا، وتلك التي يمكن القيام بها من الخارج - على الأقل بصفة مؤقتة. وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة لم تفرض حداً أقصى لعدد الموظفين الدوليين المقرر بقاؤهم في البلاد، إلا أن حوالي 25 موظفاً من أصل 100 موظف قد يرحلون هذا الأسبوع. وقررت الأمم المتحدة أيضاً وقف جميع الرحلات الجديدة لموظفي الأمم المتحدة إلى سوريا، باستثناء موظفي البرامج الخاصة بحالات الطوارئ.
كما تقوم بعض وكالات الأمم المتحدة بنقل الموظفين من مدينة حلب الشمالية، التي يقاتل الثوار للسيطرة عليها. ولا تزال منظمة واحدة على الأقل من منظمات الأمم المتحدة موجودة خارج دمشق وتعتمد على الموظفين السوريين، في مدن الحسكة والقامشلي والرقة وطرطوس واللاذقية وحمص وحماة ودرعا وحلب وريف دمشق. وقد تم نقل مكتب برنامج الأغذية العالمي من دير الزور قبل عدة أشهر.
وقال روبن ستيوارت من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنه "في الكثير من الأحيان، يبدو الوضع وكأن الموظفين محصورين في مكتب وغير قادرين على الخروج والتحرك كما يرغبون".
الأثر على فرص الوصول
وكان الوصول إلى المناطق المتضررة والمحتاجين يمثل تحدياً بالفعل لموظفي الأمم المتحدة، الذين يحد من قدراتهم انعدام الأمن ونقص المعلومات وتعدد الموافقات المطلوبة من الحكومة والإجراءات الداخلية الخاصة بالأمم المتحدة.
هناك خطر متزايد على العاملين في المجال الانساني نتيجة لإطلاق النار العشوائي أو الاشتباكات بين الطرفين صابر موغل، كبير مستشاري الأمم المتحدة لشؤون الأمن في سوريا
وعلى مدار ثلثي شهر نوفمبر، اعتبر مسؤولو الأمن في الأمم المتحدة العديد من الطرق الرئيسية في البلاد غير آمنة للسفر - من دمشق إلى حمص، ومن حمص إلى حلب، ومن حماة إلى طرطوس، ومن حلب إلى اللاذقية - أو لم يكن لديهم ما يكفي من المعلومات لإرسال الموظفين في رحلات على تلك الطرق.
ووفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، تم تخصيص 97 من أصل 156 رحلة برية رسمية لموظفي الأمم المتحدة في شهر نوفمبر لنقل الموظفين إلى المطار أو إلى الحدود اللبنانية والأردنية، وانخفض عدد الزيارات الميدانية إلى 59 فقط. وأوضح ستيوارت بالقول: "إنهم لا يشعرون بالثقة الكافية للتخطيط لمثل هذه البعثات في ظل التردي المستمر للوضع الأمني".
وفي السياق نفسه، قال موغل أن الأمم المتحدة تحتاج إلى المزيد من العربات المصفحة، التي تعتبر "ضرورية من أجل سلامة وأمن العاملين في المجال الإنساني أثناء إيصال المساعدات الانسانية في وضع أمني شديد الصعوبة".
وتفرض قواعد الأمان الخاصة بالأمم المتحدة سفر الموظفين في قوافل من مركبتين على الأقل عند مغادرة دمشق. وتمتلك الأمم المتحدة 48 مركبة مصفحة تنقل أكثر من 1,000 موظف محلي ودولي، ولكن العديد منها مصاب بأعطاب، وعندما تتعطل، يمكن أن يستغرق وصول قطع الغيار من الخارج عدة أشهر.
وقد أثر انعدام الأمن أيضاً على قدرة اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات غير الحكومية الدولية، التي لا تسافر في سيارات مصفحة، على الوصول إلى الميدان. لذا يقوم متطوعون تابعون للهلال الأحمر العربي السوري والمنظمات غير الحكومية المحلية والجمعيات الخيرية والجمعيات الأهلية أو ناشطون بتوزيع معظم المساعدات.
تزايد الخطر
وكان الثوار الذين يقاتلون الحكومة السورية قد حققوا العديد من المكاسب في الأسابيع الأخيرة، من بينها إسقاط طائرتين باستخدام صواريخ أرض جو لأول مرة، واستولوا على قواعد عسكرية على الحدود الشرقية. ويقول محللون أن عدد الجماعات المسلحة يتزايد، وأنها أصبحت أكثر تنظيماً، وتمتلك أسلحة أفضل وقدرة أكبر على الوصول. "ولم يعد الحال كما كان عليه قبل ستة اشهر،" كما أكد موغل.
كما تعرضت قوافل المساعدات الإنسانية لهجمات على نحو متزايد في الأسابيع الأخيرة، وحوصرت وسط تبادل لإطلاق النار في بعض الأحيان، كما تم خطفها في أحيان أخرى للاستيلاء على البضائع أو المركبات على وجه التحديد. كما سقطت قذائف هاون وحدث تبادل لإطلاق النار على بعد خطوات من مكاتب الأمم المتحدة، ويمكن سماع أصوات القصف على مدار الساعة من مكاتبهم وأماكن إقامتهم على حد سواء.
وستقوم الأمم المتحدة بنقل بعض المكاتب الواقعة في المناطق الأكثر خطورة داخل العاصمة، كما يقوم الموظفون في تلك المكاتب بتخزين المياه والمواد الغذائية غير القابلة للتلف ومراجعة طرق خروجهم.
التخطيط للطوارئ
ويقول عمال الإغاثة أن الموظفين المحليين ليسوا مستعدين بدرجة كافية لتولي العمليات إذا اضطرت الأمم المتحدة إلى إجلاء الموظفين الدوليين. وقال أحد عمال الإغاثة: "يجب علينا أن نركز على بناء القدرات تحسباً لانهيار كل هذا".
ويدور هذا السؤال في أذهان الجهات المانحة أيضاً، حيث تساءل إدوارد رودير من مكتب إيكو (ECHO)، وهو ذراع المعونة الإنسانية التابع للاتحاد الأوروبي، موجهاً حديثه إلى وكالات الأمم المتحدة: "كيف ستمضي قدماً في عملياتك، إذا تدهور الوضع الأمني؟" وأضاف في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه "من الواضح أن هذا مصدر قلق للجهات المانحة".
وقد حاولت وكالات عديدة تسريع تعيين الموظفين المحليين في الأشهر الأخيرة لمواجهة تزايد حجم العمليات "وفقاً للرأي القائل بأن الوضع سيتجه على الأرجح نحو التدهور،" حسبما ذكرت إليزابيث هوف، رئيسة مكتب منظمة الصحة العالمية في سوريا، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين). وأضافت هوف قائلة: "سنقوم بتدريبهم طالما بقينا هنا، ونحاول الوصول إلى الحد الأقصى للاستجابة".
ويقوم برنامج الأغذية العالمي حالياً بزيادة عدد العربات المصفحة في كل مكتب فرعي بحيث تتمكن من الاستمرار في عمليات الرصد بأمان، وتعزيز الدعم المقدم من المكاتب الإقليمية.
وقالت كيت نيوتن، نائبة المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي، في حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "إذا أصبح لزاماً إخلاء موظفي الأمم المتحدة الدوليين من البلاد، ولو لفترة قصيرة من الزمن، نريد أن نتأكد من أن العمليات ستستمر بشكل سلس قدر الإمكان، مع أقل قدر من توقف تقديم المساعدات إلى المحتاجين".
من ناحية أخرى، اضطرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إلى إغلاق بعض المدارس والمراكز الطبية التي تديرها لخدمة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا. وتقوم المنظمة بتوزيع كميات كبيرة من الأدوية، وإعداد مجموعات اللوازم الدراسية المنزلية، وإعداد المجتمعات للعمل على مستوى محلي أكثر، بحيث لا تحتاج إلى السفر بعيداً عن ديارها للحصول على الخدمات أو تقديمها، حسبما ذكر مايكل سادلير، من مكتب الأونروا في سوريا، في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
وأضاف قائلاً: "علينا واجب تجاه المستفيدين، لكننا لا نريد أن نخاطر بسلامة موظفينا للقيام به، ولهذا السبب، يجب أن نفكر في طرق بديلة لتنفيذ الأعمال".