إن محاولة تعديل أو إلغاء الإعلانات الدستورية هي حرب خاسرة لمن يشرع في شأنها وسوف تؤدي إلي أزمة دستورية أخري جديدة أكبر من سابقتها تبعد مصر عن تحقيق أهداف ثورة 25 يناير 2011.
إن الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية، لا يملك حق إصدار إعلانات دستورية جديدة، لأنه لا يملك حاليا السلطة ألتأسيسية التى كان يملكها المجلس العسكري وتملكها الآن الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور جملة هذه القرارات للانها تخرج عن نطاق الشرعية الدستورية.
يجمع رئيس الجمهورية في الوقت الحالي بين السلطة التنفيذية التشريعية وله اختصاص إصدار التشريعات الضرورية، ولذلك كان يمكن إصدار التشريع الخاص بحقوق الشهداء والمصابين ومعاشاتهم وكان من الممكن بل من الضروري إصدار قانون من العدالة الانتقالية يتيح فرصة حقيقية وعادلة للقصاص واستيفاء حقوق الشهداء وغيرهم ممن تعرضوا للظلم ونالهم سيف الاستبداد والفساد, أيضا دون مشكلة, ودون الحاجة لإعلان دستورى.
أن السلطة التأسيسية امتلكها المجلس العسكري فور توليه إدارة شئون البلاد، عقب تنحى الرئيس السابق، وهى السلطة التى تسمح بإصدار إعلانات دستورية أو مراسيم بقوانين أو أى تعديل على قانون بعينة أما مرسى فهو رئيس منتخب يمثل السلطة التنفيذية ويمتلك فقط بعض الاختصاصات المتعلقة بالسلطة التشريعية نتيجة غياب مجلس الشعب ولا يجوز له أو لأى سلطة أخرى أن تصدر أية إعلانات دستورية.
أن الشرعية الثورية انتهت بانتخاب الدكتور محمد مرسى رئيسًا للجمهورية ولم تعد هناك شرعية ثورية تعطى له حق إصدار إعلان دستورى جديد. ، إن النصوص الدستورية لا يجوز لها أن تكبل السلطة القضائية عن ممارسة دورها ومنعها من التصدى لاختصاصها لأن منع السلطات القضائية عن اختصاصها، فضلاً عن أن سن إعلان دستورى لا يجوز أن يمس الاختصاص المقرر لمجلس الدولة القاضى للمشروعية فى ظل دعاوى منظورة بالفعل أمامه تتعلق بالجمعية ألتأسيسية ولا يجوز تحصين أى قرارات من اختصاص القضاء بالفصل فيها.
أن الدستور الساقط "دستور 71" لم يكن يتيح تحصين قرارات معينة، ذلك كما أن الإعلان الدستورى المؤقت نص على عدم جواز تحصين أى قرار من الطعن علية بالإضافة إلى أن مشروع الدستور الحالى المنظور أمام الجمعية التأسيسية يحظر ذات الأمر.
أما عن المادة التى أصدرها مرسى والتى نصت على أن لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها، أن يتخذ الإجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة هذا الخطر على النحو الذى ينظمه القانون تشبه المادة 74 من دستور 71 والتى كانت تعطى للرئيس السابق حسنى مبارك هذا الحق وكانت أحد أهم المواد التى قامت من أجلها ثورة 25 يناير. أهم هدف هو الحصول على كل السلطات الاستثنائية لحالة الطوارئ والأحكام العرفية دون إعلانها ودون وجود أي حماية قضائية للمواطن، فالمادة (6) من الإعلان ترخص لرئيس الجمهورية إحالة أي خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن، أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها أن يتخذ الإجراءات والتدابير لمواجهة الخطر على النحو الذي ينظمه القانون. وهذا هو أخطر نص في الإعلان لأنه يعطي الرئيس ترخيصا بدون شروط، أن يتخذ الإجراءات والتدابير الاستثنائية التي تتخذ عادة في حالة الطوارئ دون أن تكون حالة الطوارئ معلنة، ودون استفتاء الشعب كما نص الدستور الحالي. وتشمل السلطات الاستثنائية التي تمس حقوق وحريات المواطن العادي وضع قيود ورقابة على حرية التعبير وحرية الإعلام والصحافة وحرية التظاهر السلمي وحرية الأحزاب وغير ذلك من الحقوق والحريات وقانون حماية الثورة دليل على ذلك، هذا طبعا بالإضافة لحرمان المواطن من حقه الدستوري في اللجوء للقضاء طعنا على القرارات والقوانين التي أصدرها أو التي يصدرها الرئيس (والتي لا علم بمضمونها إلا الله). حتى إصدار الدستور وانتخاب مجلس النواب، وذلك حماية لحقوقه وحرياته.
إنه يجب الإشارة في البداية إلي الحقائق الدستورية الثابتة والتي سوف تجيب علي هذا التساؤل الصعب كما يلي:
أولا: إن الإعلان الدستوري لا يلغيه أو يعدله إلا تشريع دستوري مثله، وعلي ذلك فإن المرتبة القانونية للقرار الذي سوف يصدره رئيس الجمهورية لإلغاء أو تعديل الإعلان الدستوري يجب أن يكون من مرتبة التشريع نفسها، الذي سوف يلغيه أو يعدله، أي أنه تشريع دستوري ولما كان رئيس جمهورية مصر العربية لا يملك إصدار أو إلغاء التشريع العادي طبقا للمادة (65) مكررا من الإعلان الدستوري المكمل الصادرة في 17- 6- 2012، الذي هو أدني مرتبة من الدستور وبالتالي فهو لا يملك التشريع الدستوري الأعلى من التشريع العادي في المرتبة القانونية، ولعدم وجود نص دستوري آخر يعطي للرئيس سلطة التشريع الدستوري.
ثانيا: إن العرف الدستوري المصري في الإعلانات الدستورية التي صدرت بعد ثورة 25 يناير قد تواتر علي إعطاء حق إصدار الإعلانات الدستورية وتعديلاتها إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وتوجد سوابق دستورية في هذا الشأن، هي الإعلان الدستوري الأول الصادر بتاريخ 13- 2- 2011، والإعلان الدستوري الثاني الصادر بتاريخ 30- 3- 2011 وتعديله، والإعلان الدستوري المكمل الجديد الصادر في 17- 6- 2012، والذي أكد الحق الدستوري للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في إصدار إعلانات دستورية وتعديلها.
ثالثا: إن قضاء المحكمة الإدارية العليا ـ حامية الحقوق والحريات العامة ـ قد تضمن مبدأ قضائيا تاريخيا في أحد أحكامه الكبرى عندما تم الطعن علي قرار للمجلس الأعلي للقوات المسلحة، حيث قضي بأن: «المجلس الأعلي للقوات المسلحة له سلطة إدارة الحكم في البلاد، بما فيها سلطة التشريع الدستوري وذلك ليس استنادا إلي التفويض المخول له من الرئيس السابق مبارك، وإنما استنادا إلي سلطة الأمر الواقع
رابعا إن التوازنات الدستورية الحالية بين المركز الواقعي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ـ الذي أكدته المحكمة الإدارية العليا في حكمها السابق ـ وبين المركز القانوني لرئيس الجمهورية أوجدت واقعا دستوريا، هو تسليم رئيس الجمهورية بهذا الأمر الواقعي الدستوري وموافقته صراحة وضمنا علي اقتسام السلطة في مصر حاليا «قسمة غرماء»، وذلك علي النحو الذي حدده الإعلان الدستوري المكمل .
ويجب علي الشعب المصري ـ كما تحمل من قبل المرحلة الانتقالية ـ أن يتحمل المرحلة الحالية المكملة للمرحلة ألانتقالية وذلك حتى صياغة دستور مصري جديد قبل نهاية 2012، وقد أكد ذلك جليا المجلس الأعلي للقوات المسلحة في بيانه الصادر بتاريخ 10- 7- 2012، بأن المرحلة الانتقالية التي تعيشها مصر مازالت قائمة حتى اليوم.
خامسا: ثبت من التحليلات السياسية والإستراتيجية المختلفة، أنه قد حدثت تفاهمات واتفاقات فعلية في هذا الشأن بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبين الرئيس ألمنتخب وذلك في وقت مبكر قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية ذاتها.
سادسا: إن القول بحق رئيس الجمهورية في التشريع الدستوري يتعارض مع الواقع السياسي بعد ثورة 25 يناير، لأن الواقع السياسي والشعبي في الشارع المصري في هذه المرحلة الانتقالية لن يتقبل من جديد صناعة رئيس ديكتاتور آخر يشرع دستوريا بنفسه ولنفسه، ويحدد مدد انتخابه علي هواه أو يجعل انتخابه مرة ثانية مدي الحياة، أو ليحدد الرئيس بنفسه سلطاته الدستورية لتكون سلطات مطلقة لا رقيب عليها، كما حدث ذلك من قبل، وهذه الديكتاتورية يمكن أن تتم إذا كان الرئيس يملك التشريع الدستوري.
سابعا: إن المنطق الفلسفي الدستوري المجرد يتعارض مع فكرة أن يشرع الرئيس ـ أي رئيس ـ دستوريا لنفسه أو للحزب الذي ينتمي إلية وعلي وجه الخصوص إذا كانت الدولة تمر بمرحلة انتقالية مثل مصر.
ثامنا إن الإعلان الدستوري المكمل كل لا يتجزأ، فإذا كان الرئيس قد آمن يبعضه وحلف اليمين الدستورية الوحيدة علي أساسه أمام المحكمة الدستورية العليا فإنه لن يمكنه أن ينكر أو يتنصل من باقي ما جاء في الإعلان الدستوري المكمل وهو جزء آخر يجب أن يسلم به.
تاسعا يؤكد كل ما تقدم الأمر الواقع الحالي في مصر بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 10- 7- 2012 في منازعة التنفيذ المتعلقة بحل مجلس الشعب والذي قضي بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 11 لسنة 2012، فلن يقدم رئيس الجمهورية علي مغامرة أخري جديدة قد تكون ثمنها كرسي الرئاسة نفسه.
عاشرا إن قرارا جديدا لرئيس الجمهورية بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل سوف يكون مصيره مثل القرار السابق رقم 11 لسنة 2012 وهو وقف التنفيذ ولكن في المرة المقبلة سوف يكون ذلك الوقف من اختصاص محكمة القضاء الإداري وسوف تؤيده في ذلك يقينا المحكمة الإدارية العليا.
حادي عشر: سوف يستمر الحظر الدستوري علي السيد الرئيس في تعديل الإعلانات الدستورية أو إلغائها وإصدار إعلانات جديدة لحين انتهاء الفترة الانتقالية والاستفتاء علي الدستور الجديد وموافقة الشعب عليه ونشره في الجريدة الرسمية وصيرورته دستورا نافذا في مصر.
ثاني عشر: سوف يكون لرئيس الجمهورية الحق في التشريع الدستوري في هذه المرحلة الانتقالية في حالة واحدة إذا تم استفتاء الشعب علي مدي موافقته علي منح رئيس الجمهورية سلطة إنشاء وتعديل القواعد الدستورية المؤقتة من عدمه، وفي حالة موافقة الشعب بالأغلبية المطلقة علي منح الرئيس ذلك الحق سوف ينتهي الدور الدستوري للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وينتقل هذا الحق بصفة مؤقتة إلي رئيس الجمهورية، وذلك لحين إصدار دستور جديد ونشره في الجريدة الرسمية وسريانه دستوريا، وأعتقد أن الوقت القليل الباقي من المرحلة الانتقالية لن يسمح بذلك.
قانون حماية الثورة
قانون حماية الثورة يضع قواعد استثنائية لإعادة التحقيقات في جرائم قتل والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين وجرائم استعمال القوة والعنف والتهديد والترويع على الحرية الشخصية للمواطن وغيرها من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور والمرتكبة بواسطة كل من تولى منصب سياسي أو تنفيذي في ظل النظام السابق ومن شاركه في ارتكاب تلك الجرائم والجرائم المرتكبة، وهذه النصوص لا عائد منها لأنها تطالب النيابة العامة بالتحقيق مرة ثانية، دون وجود تحريات وأدلة جديدة والنيابة العامة اختصاصها التحقيق على أساس الأدلة المقدمة من جهات الأمن ولذلك طالبنا بقانون جديد للعدالة الانتقالية، وقد نص قانون حماية الثورة على إعادة المحاكمات إذا ظهرت أدلة جديدة وهذا أيضا تحصيل حاصل لأنه مسموح به وفقا للقانون الحالي. قانون حماية الثورة أعطى لنيابة جديدة سماها «نيابة حماية الثورة» اختصاص التحقيق في الجرائم المشار إليها بعاليه، بالإضافة إلى عدة أبواب أخرى من قانون العقوبات تشمل الجرائم المتعلقة بمقاومة الحكام وعدم الامتثال لأوامرهم، والتعدي عليهم بما في ذلك إهانة أو التعدي على الموظفين العموميين وجهات ألأمن إلخ.. وكذلك الجرائم التي تقع بواسطة الصحف وغيرها تشمل التحريض على ارتكاب جناية أو جنحة بوسائل النشر والتحريض على قلب نظام الحكم، أو نشر صور غير حقيقية من شأنها الإساءة لسمعة البلاد أو جريمة إهانة رئيس الجمهورية بواسطة إحدى طرق النشر أو السب أو إهانة المجالس البرلمانية، أو السلطات أو المصالح العامة وطرق النشر تشمل الصحف والإنترنت والتليفزيون والمؤتمرات والندوات العامة وغير ذلك من طرق النشر، وأخيرا تختص تلك النيابة بالتحقيق في جرائم التوقف عن العمل بالمصالح العامة والاعتداء على حق الغير في العمل وهو ما يمس الحق في التظاهر السلمي أو الإضراب وكذلك جرائم البلطجة. والأهم أن قانون حماية الثورة قد نص في المادة (5) على جواز حبس المتهمين بارتكاب الجرائم المنصوص عليها بقرار من النائب العام، أو من يمثله بعد أخذ رأيه لمدد لا تتجاوز في مجموعها ستة أشهر، بالمخالفة للمادة 143 من قانون الإجراءات القانونية التي لا تجيز زيادة مدة الحبس الاحتياطي عن ثلاثة أشهر دون الإحالة إلى المحكمة المختصة، وإلا وجب الإفراج عن المتهم، أما إذا كانت التهمة جناية فلا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على خمسة أشهر دون الحصول على أمر من المحكمة المختصة بمد الحبس لمدة لا تزيد على خمسة وأربعين يوما قابلة للتجديد وإلا وجب الإفراج عن المتهم، والنتيجة أن قانون حماية الثورة قد أعطى للنائب العام الجديد اختصاصات جديدة استثنائية للحبس بالمخالفة للقانون الحالي المنظم للحبس الاحتياطي الذي تم تعديله في 2007 م لوضع حد أقصى لمدة الحبس الاحتياطي حماية لحقوق المواطن المصري. وقفت كثيرا عند التوقيت الذي اختاره الرئيس المصري محمد مرسي لإعلانه الدستوري يوم الخميس الماضي والذي أعاد الأجواء العامة في مصر إلى المربع الأول من حيث الانقسام والمواجهة بين أطياف ثورة 25 يناير . سبب توقفي عند التوقيت نابع من أمرين :
الأول أن الرئيس مرسي كان خارجا من معركة سياسية مكملة للمواجهة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل ، ونجح في رسم صورة مغايرة تماما لصورة رئيس مصر العاجز كما كان عليه الحال في عهد مبارك عام 2008 ، وهو مازاد من شعبيته خارج مصر وعززها داخلها ، والسؤال هل كان هذا هو السبب الذي جعل الرئيس مرسي يصدر الإعلان الدستوري الخلافي والمثير للجدل ؟ أي انه استثمر جهوده في وقف العدوان على غزة و إقرار التهدئة في الشأن المصري الداخلي لزيادة سطوته وصلاحياته ؟ ربما وهو أمر لا يمكن أن يكون مجرد مصادفة عابرة !؟
أما الأمر الثاني : هل كانت المسالة تحتاج إلى مثل هذا الإعلان خاصة بعد الجدل والانقسام الذي ظهر بوضوح شديد خلال مناقشات الجمعية التأسيسية للدستور وانسحاب ممثلي التيار العلماني منها ؟ الم يكن الأمر يتطلب مبادرات سياسية خلاقة لتجاوز أزمة مشروع الدستور وإعادة اللحمة لمكونات الثورة على طريق الشرعية الدستورية ؟
أم أن النوايا كانت مبيتة للانقضاض على المؤسسات الدستورية وبخاصة القضاء لصياغة دستور لمصر لا يمثل مصر وروحها ويكون نسخة للون واحد فيها هو الإسلام السياسي ؟
ربما يكون التوقيت نابعا من الأمرين معا ، فالنتيجة السياسية المباشرة لهذا الإعلان الدستوري تضع الرئيس المصري على طريق الديكتاتورية من خلال تحصين نفسه تحصينا كاملا ومصادرة صلاحيات المؤسسة القضائية وتحصينه سلفا لمخرجات مشروع الدستور المصري الذي يكتبه الان الإسلاميون فقط ، أما حجة أو تبرير إصدار الإعلان الدستوري من اجل حماية الثورة ومكتسباتها فتعيدنا إلى عصر عبد الناصر وبعده السادات وبعده مبارك فكل واحد منهم برر إمساكه بكل الصلاحيات إما بحماية الثورة أو مكافحة الفساد ، وهكذا كان الأمر في العراق وفي سوريا وفي كل النظم الجمهورية ذات الراس الواحد.
الرأي السائد في الفقه يتجه إلى إن فكرة الضرورة هي أساس نظرية الظروف الاستثنائية ويقصد بالضرورة تلك الحالة من الخطر الجسيم الحال التي يتعذر تداركها بالوسائل العادية مما يدفع السلطات القائمة على حالة الضرورة أن تلجأ إلى الوسائل القانونية الاستثنائية لدفع هذا الخطر ولمواجهة الأزمات وفكرة الضرورة هذه تقوم على ركنين ركن موضوعي ويتمثل بوجود خطر يهدد مصلحة جوهرية معتبرة قانونا وركن شكلي يتمثل في التجاوز على أحكام القانون هذه هي فكرة الضرورة بصورة عامة، وهناك من يرى تحديد حالة الضرورة في نطاق القانون الدستوري ذلك أنها توجد كلما كانت الدولة في وضع لا تستطيع معه أن تواجه أخطاراً معينة سواء كان مصدر هذه الأخطار داخلياً أم خارجياً إلا بالتضحية بالاعتبارات الدستورية التي لا يمكن تجاوزها في الأوضاع العادية وبالتالي فان نظرية الضرورة تعني إضفاء المشروعية على عمل هو في الظروف العادية غير مشروع. وتعد هذه النظرية من النظريات العامة في القانون التي لا يقتصر مجالها على القانون الدستوري وإنما يتعداه إلى مجالات القانون الأخرى ويحق القول هنا أنها من النظريات الهامة في مجال القانون العام حيث إنها تمثل الجانب الاستثنائي لمبدأ المشروعية وقد اهتم الفقه والقضاء ولاسيما القضاء الإداري الذي حددها وذلك بوضع الشروط والضوابط اللازمة لتطبيقها.
قاعدة الضرورات تبيح المحظورات
وبالنظر لحداثة هذه النظرية واختلاطها مع غيرها من النظريات التي تحكم عمل الإدارة اختلف الفقه في تحديد أساس واحد لهذه النظرية وهناك من الفقهاء من يرى بان هذه النظرية موجودة في الفقه الإسلامي وهم يستندون في ذلك إلى قاعدتي (الضرورات تبيح المحظورات) و (الضرورة تقدر بقدرها)وهناك من يرى بأنها مقررة في الشريعة الإسلامية وهي تلتقي في جوهرها مع وجهات نظر الفقهاء المحدثين وهناك من يرى أن نظرية الضرورة أو الظروف الاستثنائية معروفة ومقررة في الشريعة الإسلامية إلا أنها ليست من خلقها حيث أنها معروفة ومقررة في عالم ما قبل الإسلام إذ وردت تطبيقات لحالة الضرورة في كل من الشريعة اليهودية والشريعة المسيحية وان نظرية الضرورة كتنظيم دستوري لم تظهر إلا بعد نشأة الدولة بمفهومها الحديث القائم على مبدأ سيادة القانون ومبادئ احترام حقوق وحريات الإنسان. وان هذه النظرية بشروطها وضوابطها الجديدة هي من خلق مجلس الدولة الفرنسي الذي صاغها في إطار قانوني محدد بحيث لا تعد أية واقعة تدخل ضمن هذه النظرية ما لم تكن داخلة ضمن هذا الإطار. ولَمَّا كانت هذه الضرورات قد تختلف من إنسان لآخر ومن زمن لغيره, مما يجعل بعض الناس يستعملونها في غير وجهها الشرعي, فيجعلونها ذريعة لفعل المحظورات, أوترك الواجب تحت ستار مبدأ التخفيف والتيسير, دون التقيد بضوابط الضرورة, أو بسبب الجهل بأحكامها, لذلك وضع الفقهاء حدودًا وشروطًا لضبط الضرورات الشرعية وأنواعها, وتحديد مسارها, وما يؤثر منها في تغير الأحكام, وما يعتبر من أحوال المكلفين من قبيل الضرورات, ومالا يعتبر, حتى يتحقق الأثر الشرعي للقاعدة وهو إباحة المحظور للمكلف, وهذه الضوابط تتلخص فيما يلي :
الضابط الأول: أن تكون الضرورة متحققة بالفعل.
الضابط الثاني: أن تكون الضرورة ملجئة.
الضابط الثالث: أن تقدَّر الضرورة بقدرها.
الضابط الرابع: تعذر دفع الضرورة بوسيلة أخرى غير فعل المحظور.
الضابط الخامس: ألا يترتب على العمل بالضرورة ضرر أكبر من الضرر الحاصل بها.
مما يجعل لقاعدة الضرورات أهمية خاصة لاسيما في الوقت الراهن الذي كثرت فيه الظروف الاستثنائية, التي يتعرض لها المسلمون, والمشقات التي تواجه كثيرًا من المكلفين, على كافة المستويات السياسي والاقتصادي, والاجتماعي, والثقافي, وعلى المستوى الفردي والجماعي, مما يكثر الرجوع إلى أحكام الضرورات الشرعية, والاستناد إلى قاعدة الضرورة إيجابًا أو سلبًا, قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات . موضوع حصل فيه خلط كثير،وحصل فيه استغلالات سيئة كثيرة من كثير من أصحاب النوايا السيئة،ولذلك كان لا بد للمسلم من فهمه،وفهم ما يتعلق به،ألا وهو القاعدة الشرعية العظيمة: الضرورات تبيح المحظورات،هذه القاعدة التي ظُلمت ظلماً عظيماً من كثير من أبناء المسلمين،هذه القاعدة التي أصبح الاستدلال بها على ما هب ودب من الأمور ديدن عامة الذين يعصون الله سبحانه وتعالى. كلما أراد أحدهم أن يفعل معصية أو فعلها فناقشته في ذلك كان من حججه: الضرورات تبيح المحظورات. إن كثيراً من الناس يفسرون الضرورة بأي مشقة تعرض،بأي درجة تكون،أو يفسرون الضرورة بحاجتهم إلى التوسع في الأمور الدنيوية،ولأجل ذلك ينتهكون حرمة الشريعة. فأما الضرورة فقد ذكر العلماء تعريفها،الضرورة: إذا ترتب على عدم فعل شيء محرم هلاك، أو إلحاق الضرر الشديد بأحد الضروريات الخمس وهي: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض، فإنه عند ذلك يجوز له أن يتناول المحرم للضرورة.
إن شرط المصلحة العامة هو شرط جوهري في كل الأعمال التي تصدر عن الإدارة سواء أكانت الظروف عادية أم استثنائية وان أي عمل تتخذه الإدارة يجب إن يقصد به تحقيق مصلحة عامة وألا تكون الغاية منه الوصول إلى تحقيق إغراض شخصية وان الإدارة يجب إن تهدف إلى دفع هذه الظروف ومواجهتها للمحافظة على كيان الجماعة وهذا هو الهدف الخاص فإذا ما أخلت الإدارة واستعملت سلطتها الواسعة في أي هدف آخر من أهداف المصلحة العامة كان تصرفها مشوباً بانحراف السلطة
إن إجراءات الضرورة تضل مقيدة بالقيود الدستورية والضمانات المقررة في قواعد الدستور ولا تملك السلطة القائمة على حالة الضرورة التحلل من هذه القيود بدعوى الضرورة أو الظروف الاستثنائية. وتخلق نظرية الظروف الاستثنائية أحكاماً استثنائية يكون لها الأولوية في التطبيق إلى جوار قواعد المشروعية العادية وهو ما يعني أن اثر هذه النظرية لا يقتصر على تفسير النصوص القانونية تفسيراً موسعاً لأحكام الضرورة وان كانت استثناءاً من قواعد المشروعية العادية وهي لا تعتبر استثناءاً من الدستور وإنما استثناء من النصوص التشريعية وان نظرية الضرورة لا تعتبر خروجاً على مبدأ المشروعية لان مصدرها القانوني هو الدستور المقنن لها.وتقيدها بسائر القواعد الدستورية وهنا يبقى اثر إجراءات الضرورة محدوداً بالمجالين التشريعي واللوائح دون أن يمتد إلى المساس بالقواعد الدستورية
وتأسيسا علي ما تقدم، فإن رئيس الجمهورية لا يملك تعديل أو إلغاء الإعلانات الدستورية الصادرة بعد ثورة 25 يناير، ونحن ننصحه نصيحة المخلصين ـ من أجل مصر ـ بألا يحاول ذلك ـ مجرد المحاولة ـ لأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة سوف يعتبر ذلك بمثابة إعلان حرب ضده، وسوف يفسر ذلك بأنه خروج علي الشرعية الدستورية الثابتة والتي أقسم عليها رئيس الجمهورية، وسوف يؤيده في ذلك قطاع عريض من الشعب المصري قد يزيد عددهم علي أعداد الملايين التي صوتت ضد الرئيس في الانتخابات ألأخيرة وأتوقع أن هذا الأمر المكروه لن يحدث بإذن الله، وكفي الله مصر شر القتال وشر الحروب الجديدة التي هي في غني عنها الآن. الشجون كثيرة، وكلما هممنا أن نستشعر رحيق الحرية ونستمتع بنتاج الثورة التي حركت الشعب المصري ليمارس دوره لأول مرة بفرحة، تحرَّك الاتجاه المعاكس في الداخل والخارج لسرقة الثورة والفرحة من المصريين. أليس فى هؤلاء رجل رشيد يخرج الاّن مبينا للناس الحكم الشرعى الصحيح فى هذه الامور وأنها ليست من الشرع فى شيء أم أن الشهرة لها مذاق اّخر؟ألا يعلم هؤلاء أن فتواهم معلقة فى رقابهم إلى أن يلقوا الله إلا أن يتوبوا إليه ؟ألا يعلم هؤلاء أن هذه الدماء التى سالت وتسيل وستسيل هم مسئولون عنها أمام الله لا غيرهم؟
--