• إشكالية التنسيق المدني العسكري في المساعدات الصحية
• الحاجة إلى وضع المزيد من قواعد المشاركة
• هايتي وأفغانستان تسلطان الضوء على نقاط الضعف
• المرافق الصحية السياسية قد تكون خطيرة
جمع تقديم المساعدات الصحية للمناطق الساخنة مثل هايتي وأفغانستان بين العاملين في المجال الإنساني والعسكري- على الرغم من تنافسهم في بعض الأحيان- في اتحاد مضطرب لكنه بات ضرورياً بشكل متزايد.
وفي الوقت الذي تشير فيه التوقعات إلى تنامي دور الجيش في المساعدات الصحية (منذ تسونامي المحيط الهندي عام 2004 تم نشر الجيش الأمريكي 40 مرة في مناطق الكوارث الطبيعية في جميع أنحاء العالم)، أصبح من الضروري تحديد قواعد ومسؤوليات كل طرف في هذا المجال.
وحتى بعد حوالي عقدين من العمل بشكل وثيق مع العسكريين لتسليم المساعدات، مازال الباحثون والعاملون في المجال الإنساني منقسمين حول هذا التعاون في مجال الرعاية الصحية.
وقالت سيمون هايسوم، الباحثة في مجموعة الممارسة الإنسانية التابعة لمعهد التنمية لما وراء البحار -ومقره لندن - والتي شاركت في دراسة حول الاتجاهات في التنسيق بين المنظمات الإنسانية والعسكريين: "إنها ليست فقط حالة يتم فيها دفع التكاليف لمرة واحدة، لكن الأثر طويل المدى لمستشفى لا ينظر إليه كمكان آمن أو محايد أو مرتبط باستراتيجية الخصم".
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) في بداية عام 2012، قال مايكل هوفمان مستشار العمليات في المملكة المتحدة في منظمة أطباء بلا حدود، وهي منظمة غير حكومية مقرها المملكة المتحدة، أن "وجود أي نوع من الأسلحة بالقرب من المنشأة الصحية يجعلها هدفاً في النزاع. لذلك فإن تبني استراتيجية حظر الأسلحة في هذه الأماكن هي أفضل طريقة لضمان أمن المرضى".
والصومال- حيث لقي اثنان من العاملين في منظمة أطباء بلا حدود مصرعهما واختطف آخران في أواخر عام 2011 - هو البلد الوحيد الذي تستعين فيه منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية بحراس مسلحين خصوصيين بالقرب من عياداتها. وفي أفغانستان في الثمانينيات وجمهورية الشيشان في التسعينيات اضطرت منظمة أطباء بلا حدود إلى الاستعانة بقوات الحكومة أو المعارضة من أجل توفير الأمن. مع ذلك، فإن الحكم المطلق هو حظر الأسلحة في العيادات.
هايتي
وتعطي مبادئ أسلو التوجيهية التي وضعت في عام 1994 وتمت مراجعتها في عام 2007 توصيات حول طرق عمل العاملين في المجال الإنساني مع القوات المسلحة، في حين وضعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قواعدها الخاصة. لكن الزلزال الذي ضرب هايتي في يناير 2010 وقتل أكثر من 220,000 شخص وترك أكثر من 350,000 شخص نازحين لسنوات- ألقى الضوء على الحاجة إلى المزيد من المبادئ التوجيهية المحددة حتى في أوقات السلم، طبقاً لما ذكره الخبراء.
ويعتمد التنسيق مع الجيش- الذي غالباً ما يكون الملاذ الأخير- بصورة كبيرة على سياق البلد وطبيعة كارثتها. فهل هي حالة طوارئ من صنع الإنسان أو كارثة طبيعية؟ هل هناك نزاع؟ وهل الحكومة مستقرة؟
من جهتها، قالت فيفيانا دي أنونتيس، مسؤولة التنسيق المدني العسكري لدى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في بورت أو برنس عاصمة هايتي أنه "بالرغم من أن زلزال عام 2010 وما أعقبه من وباء الكوليرا قد حدث في وقت السلم في هايتي، إلا أن تاريخ عدم الاستقرار في البلاد أدى إلى تعقيد الاستجابة الإنسانية".
وقالت دي أنونتيس أن استراتيجية التعاون بين الجانبين استمرت لأن أزمة هايتي كانت كارثة طبيعية، لكن إذا تدهور الموقف السياسي، فإن تلك الاستراتيجية ستتحول إلى استراتيجية تعايش مشترك يعمل من خلالها العاملون في المجال الإنساني والعسكريون بصورة منفصلة "للحد من التنافس والنزاع" عن طريق الابتعاد عن طريق بعضهم البعض.
وتقوم مبادئ أوسلو التوجيهية وقواعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتمييز بين ما يتم الدعوة إليه في وقت السلم والنزاع، مع تفهم أن أكبر مخاطرة بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني للعمل مع العسكريين هي أنهم يصبحون هدفاً. ويقول الخبراء أن التشريعات قد فشلت في تحديد ما ينبغي عمله في البلدان التي تعتبر هشة مثل هايتي.
الصورة: فونج تران/إيرين
طائرة مروحية عسكرية أمريكية تجهز لنقل هذه السيدة إلى عيادة طوارئ في هايتي عام 2010
وطبقاً لما ذكرته دراسة نشرت مؤخراً عن النظام الصحي لهايتي من قبل كلية الطب في هارفارد وحلف شمال الأطلسي، فإن التنسيق في هايتي بين المجتمع الإنساني والأمني بعد الزلزال كان قائماً بصورة كبيرة على "العلاقات الشخصية والصداقات بين قيادات منظمات الاستجابة".
وتعد الدراسة الأولى من نوعها في سلسلة من الدراسات التي تقوم بتحليل مشاركة القوات العسكرية متعددة الجنسيات في تعزيز النظام الصحي في الدول الهشة المتضررة من الأزمات. وقد توصلت الدراسة إلى أنه في هايتي كانت هذه "الشبكة المعقدة" من التنسيق "غير مطورة وغير كافية" للتعامل مع مثل هذه الكارثة الكبيرة.
وقد نشرت بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في هايتي في سبتمبر 2011 قواعد المشاركة لعمال الإغاثة والقوات المسلحة العاملة في هايتي، ومن المتوقع أن تقوم وكالات الإغاثة الأخرى والمنظمات غير الحكومية العاملة هناك بعمل مسودة لقواعدها الخاصة. ومن المقرر عمل المراجعة الأولى في بداية عام 2013.
وقد أكدت اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات - ومقرها جنيف- التي تصدر توصيات لتحسين تقديم المساعدات الإنسانية- على أهمية التركيز على السكان المحتاجين وعدم السماح للأجندات السياسية بالتأثير على تقديم المساعدات الصحية.
المزايا والعيوب
لكن المشكلة هي أن للمساعدات العسكرية دائماً أجندة معينة وهو ما يثير الشكوك عند قيام الجيش بتقديم الرعاية الصحية. وقال سباستيان رودس ستامبا، الضابط السابق في الجيش البريطاني والمسؤول حالياً عن التنسيق العسكري المدني الإقليمي لمنطقة آسيا والمحيط الهادي، أن الحافز الأكبر للجيش هو حماية النفس.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) قال ستامبا: "لا أعتقد أن المساعدات الصحية العسكرية هي لغرض الإحسان على نحو خاص- فهي تلبي حاجة خاصة للتأثير على سكان يواجهون إشكالية محتملة على المستوى العملي وغالباً ما تكون مرتبطة بالمفهوم العسكري "حماية القوة"- وهي عدد من الاستراتيجيات لضمان أن السكان المحليين لن يقوموا باستهدافك".
وقال ستامبا أنه على الرغم من أن العسكريين معروفين بقدراتهم الميدانية القوية وعالية الحركة وخبراتهم في معالجة صدمات الحرب، فإن الوجه الآخر هو أنهم يعملون بشكل مستقل ومن جانب واحد وهو ما "يقوض الجهود الحكومية لتقديم الخدمات الصحية"، طبقاً لما ذكرته هايسوم من معهد التنمية لما وراء البحار.
وقالت ساندرين تيلر، مستشارة برامج القضايا الإنسانية في منظمة أطباء بلا حدود أن إنشاء مرافق الرعاية الصحية من أجل مزيد من الأهداف السياسية يعقد الوضع ويعرض شركاءها الإنسانيين للشبهة.
أفغانستان
وقالت تيلر أن "عدداً غير قليل من الجهات الفاعلة المسلحة في أفغانستان قامت بإنشاء مرافق صحية لأهداف سياسية. فالأمر ليس قاصراً فقط على القوات العسكرية الغربية ولكن تقوم به أيضاً الدول الأخرى التي تبحث عن نفوذ. ويستجيب عدد قليل من تلك المرافق الصحية فعلاً للاحتياجات الصحية".
وأضاف هوفمان من منظمة أطباء بلا حدود أن تلك المرافق "الصحية السياسية" ليست غير فعالة فحسب، لكنها تشكل خطراً على المرضى ومقدمي الخدمة الصحية كذلك. فعندما تربط المستشفيات بالتدخلات العسكرية، تصبح حينئذ أهدافاً. وإذا قام الجيش ببناء مستشفى في الصباح وحارب المعارضة بعد الظهر، فإن الجيش حينئذ يشارك في الحرب. وعندها يصبح المرفق الصحي هدفاً".
وأشار إلى مستشفى تموله ألمانيا قام الجيش ببنائه في أفغانستان في 2009 وجرى استهدافه بصورة متكررة بواسطة القوات الدولية وقوات المعارضة.
وفي عام 2004، قتل خمسة موظفين من أطباء بلا حدود في أفغانستان. وتلقي منظمة أطباء بلا حدود باللائمة في انتهاك أمنها على قوات التحالف بقيادة حلف شمال الأطلسي التي لم تراعي اتفاقيات جنيف (جوهر القانون الإنساني الذي ينظم النزاعات المسلحة وعلاج ضحايا الحرب) التي كانت حتى ذلك الحين الأداة الرئيسية التي استخدمتها منظمة أطباء بلا حدود للتفاوض مع الحكومات حول أمن مشاريعها.
وقال هوفمان الاستشاري لدى منظمة أطباء بلا حدود أن "هذا القرار الخاص بعدم تطبيق الاتفاقيات قد أطلق العنان للدول للبدء في تجاهل اتفاقيات جنيف وتقرير أي جزء سيلتزمون به... من الصعب الآن التفاوض مع الدول بشأن اتفاقيات الدخول إليها". وتنطبق اتفاقيات جنيف أيضاً على الجماعات المتمردة المعروفة "بالجهات الفاعلة غير الحكومية".
الصورة: كيت هولت/إيرين
في انتظار العلاج الطبي في عيادة تقوم بإدارتها بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في عام 2012
وقال ستيوارت جوردن، الأستاذ في قسم التنمية الدولية في كلية لندن للاقتصاد، أن الموقف لم يكن بهذه السهولة. وأضاف قائلاً: "كان هناك عدم رؤية من جانب مجتمع المنظمات غير الحكومية. فقد رأوا أن أفغانستان في مرحلة ما بعد النزاع وهو ما أدى بهم إلى التعاون مع سلطات حلف شمال الأطلسي والحكومة الأفغانية إلى حد ربما لم يكن ينبغي عليهم القيام به".
وقال ستيوارت أن استخدام المدنيين- كلما كان ذلك ممكناً- لتقديم المساعدات هو غالباً أفضل ما يمكن فعله، مضيفاً أنه "ما لم يكن هناك حاجة ماسة، فإن استخدام الجيش قبل وجود ضرورة لذلك يعتبر أمراً مثيراً للقلق".
وقد انسحبت منظمة أطباء بلا حدود من البلاد بعد وقت قصير من عمليات القتل، ولكن منذ عام 2009 قامت المنظمة باستئناف خدمات الرعاية الصحية والحفاظ على محادثات مع الجهات الفاعلة العسكرية العديدة في أفغانستان بما في ذلك الجيش الأفغاني وقوات المساعدة الدولية لإرساء الامن في أفغانستان (إيساف) التي تساهم الولايات المتحدة فيها بالجزء الأكبر.
التاريخ
وقد نشأت الحاجة إلى تعاون العاملين في المجال الإنساني مع القوات المسلحة في نهاية ثمانينيات القرن الماضي حيث بدأت الدول في إرسال جيوشها للمساعدة بعد الكوارث الطبيعية والنزاعات التي من صنع الإنسان.
وقال الخبراء أن هذا التنسيق يعد أمراً جديداً، كما أن وجود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة جنباً إلى جنب مع القوات القتالية في أفغانستان وضع العاملين في المجال الإنساني جنباً إلى جنب مع الأجندة الغربية المفترضة، طبقاً لما ذكره بعض المراقبين بما في ذلك السكان المحليين.
وعلى الرغم من مرور عقدين من الزمان منذ أن أضطر العاملون في المجال الإنساني والعسكريون لأول مرة إلى العمل معاً في العراق، مازال العمل جارياً على تحديد التفاصيل الخاصة بكيفية التعايش المشترك بين الطرفين. وعلى الرغم من وجود بعض المبادئ التوجيهية، فإن منظمات الإغاثة مازالت تكافح لتنفيذها في الأزمات.
وفي بحث أخير تساءل معهد التنمية لما وراء البحار "هل هو عدم وضوح أو عدم وجود وعي أو عدم وجود إرادة؟" ويقوم المعهد حالياً بإجراء بحث في أفغانستان وباكستان وجنوب السودان وهايتي وتيمور لمعرفة السبب.