الصورة: راحات دار/إيرين
من كان المخطئ في زلزال عام 2005 في باكستان؟
• إدانة خبراء الزلازل بتهمة القتل الخطأ
• الإنذار المبكر من الزلازل "مستحيل تقريباً"
• لا توجد بروتوكولات للإبلاغ عن مخاطر الزلازل
يقول الخبراء أنه يمكن أن يكون لإدانة علماء الزلازل بتهمة القتل غير المتعمد التي حدثت مؤخراً في إيطاليا - بسبب فشلهم في تحذير السكان من وقوع زلزال عام 2009- تداعيات خطيرة على التأهب للزلازل.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال وارنر مارزوتشي، كبير العلماء في المعهد القومي للجيوفيزياء وعلوم البراكين بإيطاليا، أن "هذه المحاكمة والحكم الصادر عنها تمثل سابقة مثيرة للقلق للغاية يجب النظر فيها من قبل العلماء عندما يقدموا خدماتهم لمصلحة السلامة العامة".
وكان ستة علماء ومسؤول حكومي قد أدينوا في محكمة إيطالية إقليمية في 22 أكتوبر بتهمة التقصير لاستهانتهم بحجم ما أتضح بعد ذلك أنه زلزال قاتل. وقال الحكم الذي صدر أن العلماء كانوا على دراية بالخطر الحقيقي لكنهم فشلوا في تحذير الناس بشكل كاف.
ونظراً لإدانتهم بتهمة القتل غير المتعمد– وهي أول تهمة من نوعها ذات صلة بالوظيفة لأي شخص يعمل في مجال الإنذار المبكر في جميع أنحاء العالم- فقد تم الحكم عليهم بالسجن لمدة ست سنوات.
وكان زلزال قوته 6.3 على مقياس ريختر قد ضرب يوم 6 أبريل عام 2009 بلدة لاكويلا التي تقع على بعد 85 كيلومتراً شمال شرق روما، مما أدى إلى مقتل أكثر من 300 شخص وتشريد 25,000 آخرين، وتدمير 10,000 مبنى في المدينة.
وطبقاً لقرار المحكمة، فقد قدم المتهمون بياناً تطمينياً كاذباً إلى الجمهور قبل وقوع الزلزال، بينما تمسك الدفاع بأنه لا توجد طريقة للتنبؤ بالوقت الذي سيحدث فيه زلزال كبير.
حدود العلم
ووفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، قام العلماء بقياس الزلازل لمدة 100 عام فقط. وقال بيرنان توشيرابورن، رئيس قسم تقييم ورصد الكوارث بالمركز الأسيوي للتأهب للكوارث في بانكوك، أنه بالرغم من قدرة خبراء الأرصاد الجوية على التنبؤ بشكل فعال بمسار وقوة العاصفة، إلا أن الأمر نفسه غير ممكن حتى الآن بالنسبة للزلازل.
وأضاف توشيرابورن قائلاً: "نحن نتبع منهجيات ثبت جدواها وبيانات نوعية ولكن مازال هذا العلم غير مكتمل ... وغير متقدم بصورة كافية لفهم كل شيء يحدث تحت الأرض. نحن نتحدث عن مخاطر الزلازل كاحتمالية وفرص- فالأمر مجرد توقعات واحتمالات".
وكانت هزات أرضية خفيفة قد سبقت زلزال لاكويلا، ولكن من غير المتوقع حسابياً حدوث هزة أرضية كبيرة مميتة بعد تلك الهزات الطفيفة، فهي احتمالية تقل عن واحد بالمائة طبقاً لبحوث الزلازل.
وقال سورونو، رئيس مركز الحد من المخاطر الجيولوجية والبراكين في إندونيسيا (مثل العديد من الاندونيسيين يعرف على نفسه باسم واحد فقط) أن الانذار المبكر من زلزال كارثي هو "من المستحيل تقريباً".
وطبقاً لما ذكره مركز بحوث أوبئة الكوارث، ومقره بلجيكا، فقد ضرب إندونيسيا 45 زلزالاً منذ عام 2000 خلفت ما يقرب من 176,000 قتيل، مما يجعل إندونيسيا أكثر الأماكن فتكاً في العالم في حالة حدوث زلزال.
ويمكن توقع ما إذا كان الزلزال سيحدث أم لا ولكن التفاصيل ما تزال غير معروفة. وقال سورونو: "لا يمكننا معرفة التوقيت. يمكننا أن نعرف المناطق المتضررة من خطر الزلزال بناء على ثورات الزلازل التاريخية، لكننا لا نعرف متى سيحدث الزلزال".
الصورة: جفري إيريس/إيرين
زلزال بادانج في عام 2009 في إندونيسيا
وقال إيان مين، أستاذ علم الزلازل في جامعة إدنبرة البريطانية، أن "ما لدينا هو تنبؤات احتمالية- فنماذج المخاطر القائمة على الاحتمالية اليومية الطويلة الأجل لزلزال كبير هي نسبة ضئيلة للغاية ... لنقل مرة كل مائة أو ألف عام".
الإبلاغ عن المخاطر
وقد حذر توشيرابورن، رئيس قسم تقييم ورصد الكوارث بالمركز الأسيوي للتأهب للكوارث من أن أحكام الإدانة التي تمت في إيطاليا ربما تثني خبراء الكوارث عن التحدث صراحة عن الأخطار الطبيعية. وأضاف توشيرابورن أن "العلماء قد يصبحوا مترددين جداً في تبادل المعلومات إذا كان سيتم الزامهم قانونياً بتلك المعلومات".
وقال العالم الإيطالي مارزوتشي أن علماء الزلازل سيطلبون العفو قبل إصدار البيانات العامة. وقد ينتهجون أيضاً الحذر المفرط في تحذيراتهم وهو ما قد يؤدي إلى إنذارات كاذبة وبالتالي مخاطرة العلماء بفقدان مصداقيتهم لدى المجتمعات على المدى الطويل خلال سعيهم لحمايتها من الأذى.
وقال فؤاد بنديميراد، رئيس مجلس مبادرة المدن الضخمة والزلازل، وهي منظمة غير حكومية للتأهب للكوارث في الفلبين أن "هناك ضغوطاً من المجتمع وصانعي السياسات على العلماء لكي يلتزموا بالدقة. فالمجتمع يريد معرفة إجابات دقيقة ولكن العلماء...لا يتنبؤون. العلماء فقط يتوقعون ويحللون".
وأضاف بنديميراد أن ما يعقد الأمور هو الاتصالات الضعيفة وأحياناً الغائبة بين العلماء وواضعي السياسات وصناع القرار، داعياً إلى المزيد من البحوث المتعددة التخصصات حول أفضل الطرق للإبلاغ عن مخاطر الزلازل.
الصورة: نانسي بالوس/إيرين
الانتشال من تحت الإنقاض في هايتي
وطبقاً لما ذكره معهد بحوث هندسة الزلازل، ومقره كاليفورنيا، فإن خبراء الزلازل يحتاجون إلى المزيد من التدريب بشأن كيفية الإبلاغ عن نتائجهم العملية ويحتاج الجمهور إلى المساعدة في تفسير تلك النتائج. ومازال الإبلاغ بدقة عن خطر وقوع زلزال بناء على العلوم والتقنيات في مرحلة التطور وأحد أكبر التحديات التي تواجه علماء الزلازل، طبقاً لما ذكرته الجمعية الدولية لهندسة الزلازل، ومقرها اليابان.
وقال مين أن العلماء في لاكويلا واجهوا هذا التحدي بصورة مباشرة، مضيفاً أنه في مؤتمر صحفي حكومي سبق الزلزال "أخطأ مسؤول حكومي واقع تحت ضغط شديد بتفسير رسالة كان مفادها أنه لا يمكن استبعاد إمكانية وقوع زلزال وشيك على الرغم من ضآلتها".
.
التأهب
وقال توشيرابورن أنه نظراً لعدم دقة الانذارات المبكرة من الزلازل، فإن التأهب لها يعد أمراً بالغ الأهمية.
وقد أبرز تقرير معهد بحوث هندسة الزلازل في عام 2004 الزلازل الكبيرة التي وقعت مؤخراً- في كوبي باليابان عام 1995 وفي أرمينيا وكولومبيا في عام 1999 وفي نورث ريدج بكاليفورنيا في عام 1994- كدليل على الحاجة إلى التخطيط للطوارئ في المناطق المعرضة لخطر الزلازل.
وقال مين أن "حالة زلزال لاكويلا يمكن أن تستخدم لزيادة الوعي أو اتخاذ بعض الإجراءات التحضيرية على مستوى مناسب".
وقال مركز بحوث أوبئة الكوارث أن الزلازل قد تسببت خلال العشرة أعوام الأخيرة في مصرع عدد أكبر من الناس من العدد الذي تسببت فيه أي كارثة طبيعية أخرى في العالم.
كما أن حاجة إلى التأهب على نحو خاص في آسيا حيث بلغت أعداد الوفيات بسبب الزلازل وتسونامي ثلاثة أضعاف الوفيات في أي مكان آخر في العالم. وقد تنبأ تقرير صدر عن البنك الدولي في عام 2010 أن المسألة "مجرد بضع سنوات قبل أن يضرب الزلزال الكبير القادم شرق آسيا والمحيط الهادئ. وأن المسألة ليست سوى بضعة عقود على الأكثر قبل وقوع زلزال قوي بالقرب من منطقة العاصمة".
وقد تنبأ الخبراء لسنوات بوقوع زلزال ضخم في وادي كاتماندو في نيبال حيث يعيش حوالي 2.5 مليون شخص ويسكن العديد منهم في مدينة كاتماندو الرئيسية.
وقال أمود ديكسيت المدير التنفيذي للجمعية الوطنية لتكنولوجيا الزلازل في نيبال بكاتماندو- وهي منظمة غير ربحية- أن التوقعات ليست سوى جزء واحد من إنقاذ الأرواح. وأضاف متسائلاً: "من هو المسؤول عن جعل المباني آمنة؟ إن وظيفة العلماء هي تحليل وتقديم الاحتمالات. والتنفيذ يندرج ضمن مسؤولية الحكومة".
وتشير تقديرات المهندسين إلى أنه مقارنة بالزلزال الذي ضرب المنطقة عام 1934 وتسبب في مصرع 8,000 شخص، سيتسبب نفس الزلزال الآن في مصرع أكثر 100,000 وجرح 300,000 آخرين وتدمير 6 مبان من بين كل 10 أبنية. فهناك قدرات قليلة للبحث والانقاذ في المدينة حيث تخدم 15 سيارة إطفاء فقط جميع سكان وادي كاتماندو من بينها 12 سيارة إطفاء لم تكن تعمل في بداية هذا العام.
ما هي الخطوة التالية؟
وفي عام 2011- بعد كارثة لاكويلا- قامت الحكومة الإيطالية بإنشاء لجنة دولية بشأن التنبؤ بالزلازل للحماية المدنية حيث ضمت اللجنة كل من مين ومارزوتشي كأعضاء.
وأوصت اللجنة بوضع بروتوكولات للتعامل مع الزلازل ذات "الاحتمالية المنخفضة". ولم تقدم أية حكومة في العالم بعد على وضع بروتوكولات بشأن كيفية تفسير المعلومات العلمية للمجتمعات المعرضة لخطر الزلزال- مهما كانت الاحتمالية.
وقد نصحت اللجنة أيضاً بأن يتم الاحتفاظ بالنتائج العلمية لضمان عدم ضياع أي شيء في الترجمة والتفسير من قبل الوسطاء الحكوميين عندما يتم الإبلاغ عن مخاطر الزلازل للجمهور.
ولكن أعضاء اللجنة مازالوا غير قادرين على التغلب على عدم اليقين في هذا المجال، حيث قال مين أن "علم الزلازل في معظمه قابل للجدل. فنحن نتعلم شيئاً جديداً بعد كل زلزال".
وأضاف مارزوتشي أنه "إذا لم يتم قبول هذا المفهوم الأساسي، فإن العلماء وصناع القرار وبالتأكيد أي شخص منخرط في السلامة العامة قد يحاكم دائماً بعد حدوث زلزال غير محتمل".