الصورة: جاسبريت كيندرا/إيرين
الإمدادات العالمية من الحبوب الأساسية، باستثناء الأرز، شحيحة
دمر الجفاف جزءاً كبيراً من محصول الذرة في الولايات المتحدة، أكبر مصدر للذرة في العالم، العام الماضي، مما رفع أسعار الحبوب الأساسية إلى مستويات قياسية.
وفي حين لا يتوقع خبراء الأغذية أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى أزمة من النوع الذي شهده العالم في عامي 2008 و2011 - عندما واجه عجزاً هيكلياً في محصولين أساسيين يستهلكان على نطاق أوسع، هما القمح والأرز، إلا أنهم قلقون بشأن قدرة الناس الأكثر فقراً في العالم على إطعام أنفسهم.
وذكرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) الأسبوع الماضي أن أسعار الحبوب انخفضت بنسبة متواضعة تبلغ 2.4 بالمائة، ونتج ذلك إلى حد كبير عن انخفاض الطلب وركود الاقتصادات. ولكننا دخلنا عصر ارتفاع الأسعار بالفعل؛ فقد زاد سعر القمح في أكتوبر 2012 عما كان عليه في الفترة ذاتها من عام 2011 بأكثر من 20 بالمائة، وفقاً لمنظمة الفاو.
وفي هذا التقرير، تتأمل شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) الوضع الغذائي العالمي في عام 2012 والتوقعات لعام 2013 - بمساعدة خبراء الأغذية وأحدث التقارير من منظمة الفاو ووزارة الزراعة الأمريكية.
هل سيكون 2013 عام الأزمة؟
حتى الآن في عام 2013، لا يزال الجفاف مستمراً في ما يقرب من 19 بالمائة من الولايات المتحدة. وتؤثر ندرة الأمطار خلال فترة الخريف/الشتاء في الولايات الزراعية الكبرى مثل كانساس وأوكلاهوما على القمح، المحصول الشتوي في البلاد. مع ذلك، يقول بعض الخبراء أنه من السابق لأوانه توقع كيفية تأثير ذلك على الأمن الغذائي العالمي.
وقال عبد الرضا عباسيان، أمين الفريق الحكومي الدولي المعني بالحبوب في منظمة الفاو أنه لا يتوقع أن يكون للجفاف في الولايات المتحدة تأثير كبير على الإمدادات العالمية من القمح بعد، "ولكن إذا حدثت صدمة مناخية أخرى في روسيا، فإننا قد نواجه متاعب". وأضاف أن الوضع سيتضح أكثر في شهر فبراير خلال فصل الربيع في نصف الكرة الشمالي، عندما تتوفر تفاصيل عن كمية الحبوب التي ستبيعها كل دولة من الدول الرئيسية المنتجة للقمح.
لكن بعض الخبراء يرون الأمور بشكل مختلف، إذ قال ستيف ويغينز، خبير التنمية والزراعة في معهد التنمية لما وراء البحار، وهو مركز بحثي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له، في رسالة بالبريد الالكتروني إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "ألسنا نعاني من أزمة في أسعار الغذاء؟ الأسعار مرتفعة. فقد قفزت أسعار الذرة والقمح في منتصف عام 2012، عندما أصبح مدى سوء موسم حصاد الذرة في الولايات المتحدة واضحاً، مما أضاف 50 دولاراً أو أكثر إلى سعر الطن ... لقد ارتفعت الأسعار بنسبة 50 بالمائة أو أكثر عما كانت عليه".
يمكن لأي فشل جديد في محصول الذرة أن يؤدي إلى مضاعفة الأسعار بسرعة. وقد يستغرق الأمر بضع سنوات من المحاصيل العادية قبل ارتفاع المخزون إلى المستويات التي توفر تأميناً كافياً ضد الصدمات العرضية
لكنه أضاف: "نتوقع أن يقوم المزارعون بزراعة مساحات واسعة واستخدام كميات كبيرة من الأسمدة وغيرها من المدخلات للحصول على محاصيل كبيرة ... وإذا لم يحدث فشل كبير في المحاصيل، فقد تنخفض أسعار الذرة والقمح في مثل هذا الوقت من العام المقبل بمقدار 50 دولاراً للطن أو أكثر، وربما تنخفض أسعار الأرز إلى حد ما أيضاً ... ولكن إذا واجهنا مشاكل، وخاصة بالنسبة للذرة، فلن تكون هناك مرونة كبيرة في النظام".
وأشارت وزارة الزراعة الأمريكية إلى أن الأمطار الغزيرة في الأرجنتين وروسيا قد أثرت على محاصيل القمح، وتم تنقيح تقديرات الإنتاج لتعكس انخفاضاً متوقعاً.
ولا تزال مخزونات الذرة منخفضة، إذ قال ويغينز محذراً: "يمكن لأي فشل جديد في محصول الذرة أن يؤدي إلى مضاعفة الأسعار بسرعة. وقد يستغرق الأمر بضع سنوات من المحاصيل العادية قبل ارتفاع المخزون إلى المستويات التي توفر تأميناً كافياً ضد الصدمات العرضية".
ويعتقد ويغينز أن تأثير صدمة أسعار الغذاء في عامي 2007 و2008 لم "ينته بشكل كامل،" حيث قال: "أتوقع أن تنخفض الأسعار بعض الشيء مرة أخرى على مدار العامين أو الثلاثة المقبلة، وذلك لسبب بسيط هو أن العديد من المزارعين في العالم الذين لديهم أي قدرات فائضة سيجدون في مستويات الأسعار الحالية دافعاً لمحاولة تحقيق حصاد وفير. ليس من الصعب زيادة الإنتاج بنسبة تتراوح بين 5 و10 بالمائة إذا كان السعر جذاباً بما فيه الكفاية. إن أسعار الذرة والقمح تبدو مجزية للغاية الآن".
هل كانت هناك أزمة في عام 2012؟
ويتفق الخبراء على نجاح تجنب صدمة في أسعار المواد الغذائية العالمية في عام 2012 حيث ساعد انخفاض الطلب على الحبوب في خفض الأسعار العالمية، ومنع خروجها عن نطاق السيطرة.
وفي رسالة أخرى رسالة بالبريد الإلكتروني إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال كريستوفر باريت، وهو أستاذ علم الاقتصاد التطبيقي في جامعة كورنيل الأمريكية، أن العالم تجنب تكرار أزمتي 2008 و2011 لأن نسبة مخزونات الحبوب إلى الطلب لم تكن مرتفعة كما كانت في السنتين السابقتين. وأضاف أن المخزونات الحالية من الحبوب في جميع أنحاء العالم قادرة على استيعاب الصدمة الناجمة عن الجفاف في الولايات المتحدة وأية اضطرابات أخرى.
وأشار أيضاً إلى أن "الذرة - وهي محصول الحبوب الذي أدى إلى زيادة الأسعار في عام 2012 - يختلف تماماً عن الأرز والقمح، اللذين قادا ارتفاع الأسعار في 2008 و2011 على التوالي"، موضحاً أن قدراً كبيراً من الذرة يستخدم في صناعات مثل علف الماشية وشراب الذرة والإيثانول، والشركات أكثر قدرة على إيجاد بدائل من المستهلكين.
وأضاف باريت أنه "من غير المرجح أن تتبنى الحكومات في البلدان الرئيسية المصدرة للذرة سياسات مثل حظر تصدير الأرز كما حدث في عامي 2007 و2008 أو حظر تصدير القمح كما حدث في عامي 2010 و2011، أو عقد الشراء لعام 2008 في الفلبين،" وكلها تدابير أدت إلى تفاقم الأزمات في الماضي.
وفي السياق نفسه، أكد ويغينز من معهد التنمية لما وراء البحار أن "الأمور لم تزدد سوءاً في 2012، لحسن الحظ، لأن فشل محصول الذرة الأمريكي كان إلى حد كبير هو الصدمة الكبرى الوحيدة في العام، بينما خطط المزارعون في جميع أنحاء العالم لتحقيق حصاد وفير، وكان الإنتاج هائلاً، على الرغم من نقص محصول الذرة في الولايات المتحدة".
وشقت محاصيل الذرة الأرخص ثمناً التي صدرتها الدول المنافسة، وخاصة أوكرانيا، طريقها إلى الأسواق الأمريكية التقليدية مثل كوريا الجنوبية واليابان، كما أشارت وزارة الزراعة الأمريكية.
وتوقع ويغينز أن "أسعار المواد الغذائية المرتفعة قد لا يكون لها نفس التأثير الصادم الذي ظهر في عام 2008 لأن التعديلات قد أُدخلت بالفعل". وأضاف أن "الأجور زادت عما كانت عليه في بعض البلدان التي تشهد نمواً سريعاً، على سبيل المثال. وربما حدثت تعديلات أخرى أيضاً"، واستشهد على ذلك بقوله أن "الناس يتحولون إلى استهلاك مواد غذائية أقل تكلفة، وإهدار كميات أقل من الطعام، وإيجاد طرق لضبط ميزانيات الأسر بحيث يستمر استهلاك الأغذية الرئيسية".
وتابع قائلاً: "ولكن في حالات أخرى، نخشى أن يكون الناس يتحملون المشقة في صمت. إن صدمات الأسعار لم تعد تستحق الذكر، ونحن جميعاً نتجه نحو الشعور بأن هذه هي طبيعة الأمور".