ن ما يمر به مجتمعنا هذه الأيام لهو من الأمور التي تستوجب التوقف والتمعن، وهو إيذاء الأطفال أو ما يعرف بالعنف الذي أخذ يغزو ويتسلل وينهش في كيان هذا المجتمع وبدأ يأخذ أشكالاً وأنواعاً متعددة وأصبح مصطلح العنف لا يعبر بصورة حقيقية عما يحدث، يعتبر الدافع ظاهرة معقدة جداً لأنها تؤثر وتتأثر بعوامل عدة , فيعد الدافع عبارة عن تأثيرات معاصرة تعمل على توجيه النشاط واستمراره , وهو أيضاً عبارة عن حالة داخلية تثير وتحرك وتنشط وتوجه السلوك نحو الهدف المقصود . وإن هذه الحالة الداخلية تكون إما دائمية أو مؤقتة , وتثير السلوك الظاهر أو الباطن في ظروف معينة, وتوصله إلى غاية أو هدف معين , فهو قوة محركة و موجهة في أن واحد وقد يكون فيه نوع من التعاطف لما نسمعه أو نشاهده من أساليب الإيذاء الذي يتعرض له الأبناء داخل محيط أسرهم، ولعل مصطلح الإرهاب (مع يقيني بأن أولئك لهم مهام تربية الأطفال في العائلة)، كما يقول اللغويون في تعريفه بأنه: (الرهبة والرهب، مخالفة مع تحرز واضطراب)، وهذا قد يكون دلالة على فهم معنى كلمة الرهبة والرهب ودلالاتها الواضحة على الخوف والاضطراب والفزع، وأن هذا يندرج تحت كل عمل ذي سمة وحشية وعدوانية يؤدي إلى إدخال الرعب والخوف في نفوس الآخرين الأبرياء وإصابتهم به، وإلحاق الضرر بهم سواء جسدياً أو نفسياً من دون النظر إلى الوسائل التي استخدمت، أو الإنسان الذي قام بتوجيه الفعل، ولو ربطنا بين هذا المفهوم المبسط مع الضحايا لوجدنا تطابقاً إلى حد كبير بين المفهوم والواقع المؤلم على تلك الضحايا. إن الإرهاب لا يكون بالقنابل والمتفجرات والأسلحة الثقيلة أو الخفيفة وحدها، كما هو مألوف، فقد يكون الإرهاب له وقع أكبر، وضرره أخطر داخل الأسرة إذا جاء من أحد الوالدين أو من يحل محلهم، لأن هذا الفعل الإجرامي كان مصدره من كان يفترض فيه أن يكون صمام الأمان والملاذ الآمن، ومن يفترض فيه أن يكون السد المنيع لهؤلاء الأبرياء. وعندما نشاهد صور الضحايا على صفحات الجرائد يخيل إلينا أنهم وأنهن من ضحايا حروب مدمرة تركت خلفها الدمار والشتات. إن الإرهاب الاجتماعي هو تداخل عوامل عدة وتشعبها ابتداء من الفرد الذي يعاني انعدام الاستقرار النفسي والاجتماعي مع نفسه ومع من حوله، وفقدان القدرات الحقيقية في تشكيل النواة لبناء الفرد السوي وهو نتاج حياة أسرية مفككة تنعدم فيها المقومات الأساسية لتشكيل أسرة بمفهومها الحقيقي وبالتالي سيؤثر ذلك في نموها واستمرارها ولظروف التحولات والمتغيرات المذهلة السريعة التي يمر به كيان المجتمع. إن الخطر قائم والزهور في تساقط مستمر... ما يوجب التكاتف الصادق والتعاون الجاد لحمايتهم والحفاظ على ثروات المستقبل الحقيقية والابتعاد عن سياسة (التخدير الاجتماعي)، فعند سقوط أحد الضحايا وتتصدر وسائل الإعلام أخبارها نسمع بالتصريحات تقذف على مسامعنا من هنا وهناك سنعمل إدارة، وسننشئ هيئة، سنقيم مشروعاً، سنشكل لجنة، ثم تخمد هذه التصريحات عن المنجزات القولبة بعد إن انتهت التغطية الإعلامية لقضية إحدى الضحايا، بمعنى (أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً). وما يحير في الأمر أننا لا نسمع بتلك الوقائع إلا عند وصولها لأبواب جمعية حقوق الإنسان، ولماذا تقتصر حالات التبليغ على المستشفيات فقط والانتظار لحين سفك الدماء؟ أين أدوار المؤسسات المجتمعية الأخرى في هذا كالمدارس؟ لماذا لا تفتح مراكز اجتماعية متخصصة في الإحساء تشمل متخصصين اجتماعيين ونفسيين ومعالجين في المجال الأسرى وتتبع لجهات حكومية أو مؤسسات أهلية وتعمل تحت لوائح وأنظمة محددة، ومن ذلك على سبيل المثال أن تتبع لجمعيات مراكز الأحياء أو لوزارة الشؤون الاجتماعية من أجل التوعية والوقاية من هذه السلوكيات والتدخل السريع قبل الإضرار بالأطفال داخل تلك الأسر واتخاذ السبل الكفيلة لحمايتهم وتأهيلهم، وان يخصص رقم مجاني على مدار الساعة، وأن يحظى بالتغطية الإعلامية وليتعرف عليه كل أفراد المجتمع من أجل التبليغ عن الحالات التي تتعرض لمثل هذه الأحداث، والتعامل بسرية تامة وفعالية مع البلاغات الواردة للحفاظ على هذه الزهور يانعة في حديقة المجتمع. كما إن لانتشار العولمة التي قد تجتاح العالم في الأعوام المقبلة الأثر في المزيد من الأزمات الاقتصادية للدول والمجتمعات المسحوقة بما يزيد الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة , إضافة إلى عدم حسم المشكلات الاقتصادية في العالم , وعدم قدرة المنظمة الدولية على ردع الدول التي تسيطر على ثروات الشعوب وتنهبها , وتفتيت أوصالها , كل ذلك يؤدي إلى استخدام أساليب العنف للتخلص من ظاهرة التفاوت الاجتماعي , لهذا فإن انخفاض المستوى الاقتصادي أو زيادة حجم الحرمان يؤديان إلى رد فعل انتقامي تجاه واقع مادي ومعنوي متردي يهدد مصالح الجماعة أو تتصور الجماعة بأنه يهددها من المسلم به أن للجانب الاقتصادي الدور الكبير في أعمال العنف والعدوان والإرهاب , فالفقر والحرمان واستلاب أموال وحقوق الآخرين وزيادة عدد العاطلين عن العمل ,وانخفاض مستوى الدخل , وبروز ظاهرة التفاوت الاجتماعي كل ذلك يؤدي إلى أعمال وردود فعل انتقامية منها مايدخل ضمن دائرة دفع الأذى ومنها مايدخل ضمن دائرة الإرهاب . يمكن القول بأن الظلم بكل ألوانه وأشكاله من أكبر المصادر للأرهاب , لهذا نجد كل الديانات السماوية والأعراف التي تناقلتها الجماعات عبر الزمن قد نهت عن ممارسة الظلم , والظلم هو المسئول عن تحريك دافع الحقد الذي يدفع بالفرد للأخذ بثأره من الآخرين بأي شكل من أشكال العنف. إن الدوافع الاقتصادية التي ذكرت تدل على إنها بالمحصلة تؤدي إلى الاستياء والتذمر ثم التمرد وبعد ذلك استخدام أساليب المواجهة كالعنف والإرهاب وغيرها .
فالذي يحاول أن يدفع الظلم ويطالب بالحرية , ويحاول استرداد الحقوق المغتصبة والذي يدافع عن وطنه ضد المحتل , والذي يذود عن شرفه , والذي يطالب بالمساواة , والذي يبحث عن فرصة عمل وغير ذلك من الأمور الأخرى , البعض حينما يناضل ويجاهد من أجل الحصول عليها يوصف بأنه إرهابي , بينما هي حقوق مشروعة من حق الفرد أن يحصل عليها ويستخدم كل الأساليب بما فيها المقاومة المسلحة . حين برزت ظاهرة الإرهاب على المستوى العالمي تراكض الجميع نحو سن قوانين لمكافحة الإرهاب وصدرت جملة من القوانين المشددة لدرء هذا الخطر عن المجتمع لأنه ظاهرة عابرة ودخيلة سرعان ما تبددت نظراً للقيم الإسلامية السمحة التي يتمسك بها مجتمعنا وميله الفطري نحو نبذ الغلو والتطرف وما يضاف إليه من يقظة الأجهزة الأمنية في التصدي لمثل هذه الظواهر الدخيلة والخارجة على قيمنا وعاداتنا الاجتماعية المتوارثة. لابد من تحرك سريع من قبل الحكومة لإعادة الأمن الاجتماعي إلى استقراره والضرب بيد من حديد على كل من امتهن العنف وإيذاء الآخرين ديدنا وسبيلا في ترويع الآمنين فلا يعقل إن تبقى الإحكام الصادرة بهذا المستوى من اللين بحق من يمارس إعمال البلطجة والإيذاء فمثل هذه إلا التصرفات أصبحت ظاهرة مقلقة داخل المجتمع ويجب النظر إليها على اعتبار أنها جرائم كبرى تستدعي أحكاما رادعة ومغلظة وخاصة بحق من يتكرر منه مثل تلك الإعمال ولم يرتدع كما يجب إن لا تسقط العقوبة أو تخفف في مثل تلك الحالات حتى مع إسقاط الحق الشخصي لأنه ربما جاء تحت الضغط والتهديد وهنا يبرز الحق العام كحامي وضامن لأمن المجتمع. أليس لنا في تاريخنا الإسلامي عبرة فهذا زياد بن أبيه حين دخل البصرة واليا زمن معاوية بن أبي سفيان كانت الجريمة متفشية فيها فأصدر جملة من القوانين الرادعة ومن ضمنها فرض منع التجول فكان أول من منع التجول في الإسلام حين قال إياي ودلج الليل فإذا أتيت بمدلج سفكت دمه وأمهل الناس ثلاث أيام وطبق ما حذرهم منه ثم جيء له بإعرابي يتجول ليلا فاحتج الإعرابي انه كان بالصحراء يبحث عن ناقة ضلت له وانه لا علم له بمنع التجول ليلا فما كان من زياد إلا إن قال( والله إني لأعلم انك لصادق ولكن في قتلك صلاح للأمة ) وقتله حتى لا يخرق أحدا القانون مرة أخرى. إن ظاهرة العنف الاجتماعي تهدد امن المجتمع واستقراره عبر تفشي الجريمة وانتشارها في مجتمعنا المسالم مما يهدد تماسك المؤسسة الأسرية التي هي احد دعائم الاستقرار في المجتمع لابد من سرعة التحرك قبل فوات الأوان.
--
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
محمول
01002884967
01224121902
01118984318