الصورة: جودي هيلتون/إيرين
يشكل اللاجئون السوريون ضغطاً على الخدمات في لبنان بما في ذلك المدارس ومرافق الرعاية الصحية
قال عمال إغاثة ومسؤول حكومي قبل عقد مؤتمر دولي للإعلان عن التبرعات الإنسانية إلى سوريا وجيرانها أن الجهات المانحة التي تقدم الأموال لمساعدة اللاجئين السوريين في لبنان يجب أن تساعد أيضاً مضيفيهم اللبنانيين الفقراء لنزع فتيل التوترات المتزايدة.
وقال روبرت واتكينز، منسق الشؤون الإنسانية في لبنان، خلال حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "لقد رأينا شعوراً متزايداً بالاستياء بين المجتمعات اللبنانية المضيفة التي ترى المعونة تذهب إلى اللاجئين بدلاً منهم. وهذا يخلق بعض التوترات".
وقد استقر معظم اللاجئين السوريين الذين فروا إلى لبنان، والذين يزيد عددهم عن 220,000 شخص، في أفقر مناطق البلاد، مثل عكار في الشمال وبعلبك أو الهرمل في وادي البقاع الشرقي.
وتعد محافظة الشمال موطناً لنحو 20 بالمائة من سكان لبنان، لكنها تأوي 40 بالمائة من الفقراء، حيث يعيش أكثر من نصف سكانها على أقل من 4 دولارات في اليوم، وفقاً لدراسة أجريت عام 2005.
وقال عمال الإغاثة أن سكان الشمال، رغم فقرهم، رحبوا باللاجئين بشكل لا يمكن إنكاره، وأخذوهم إلى منازلهم لعدة أشهر ولبوا احتياجاتهم من الغذاء والماء والكهرباء.
وبعد عامين تقريباً، يستأجر أكثر من 60 بالمائة من اللاجئين منازل خاصة بهم الآن. ولكن وجودهم في نحو 550 قرية في جميع أنحاء البلاد أدى إلى استنزاف الإمدادات التي توفرها الحكومة في الصيدليات، وزيادة المنافسة على الوظائف، ورفع أسعار السكن، وفي بعض الحالات، رفع عدد سكان بلدة أو قرية إلى أكثر من الضعف.
"تغيير الآراء"
وقالت هالة الحلو، منسقة الطوارئ في وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية، التي تتولى مسؤولية مساعدة اللاجئين "كدنا نصل إلى درجة الاختناق في لبنان".
وأخبرت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "قوات الأمن أعدت تقارير عديدة عن زيادة عدد الحوادث الأمنية التي تورط فيها السوريون، "سواءً كمعتدين أو ضحايا، مشيرة إلى جرائم القتل والضرب والسرقة، فضلاً عن زيادة التقارير عن البغاء القسري والزواج المبكر وتسول الأطفال. وأضافت أن هذا "انعكاس للحالة الاجتماعية والاقتصادية".
وكان من أوائل الأحداث إطلاق قنبلة مولوتوف على مبنى بلدية يستضيف عائلات اللاجئين في قرية في منطقة وادي خالد بقضاء عكار في شهر أكتوبر الماضي، لكن لم يصب أحد بسوء.
رأينا شعوراً متزايداً بالاستياء بين المجتمعات اللبنانية المضيفة التي ترى المعونة تذهب إلى اللاجئين بدلاً منهم. وهذا يخلق بعض التوترات -روبرت واتكينز، منسق الشؤون الإنسانية في لبنان
"كانت هذه مجرد إشارة على تغيير الآراء، وبداية تغيير لفترة الضيافة والكرم غير المقيد،" كما أشار أحد عمال الإغاثة الذي فضل عدم الكشف عن هويته.
وفي حادث آخر وقع هذا الشهر، دمرت متفجرات سطح منزل لإيواء عائلات اللاجئين بالقرب من بلدة عيدمون، وأيضاً في عكار.
وأكدت سحر الأطرش، المحللة في مجموعة الأزمات الدولية في لبنان، أن السوريين يأخذون الآن نصيباً غير عادل من اللوم على جميع أمراض المجتمع "فكلما حدثت جريمة سطو أو اغتصاب، يلقى اللوم على السوريين، كما لو كان اللبنانيون لا يفعلون هذه الأشياء".
وأوضحت دانا سليمان، المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان أن "رد الفعل الأولي للمجتمع اللبناني كان مختلفاً". وأضافت أنهم "كانوا حتى يلتقطون السوريين من منطقة الحدود. لكن مر 20 شهراً منذ ذلك الحين".
الآثار المترتبة على المساعدات
وقد أثر هذا التوتر على عمال الإغاثة أيضاً.
وقالت استيلا كاربي، وهي باحثة في الجامعة الأميركية في بيروت، أن السكان المحليين بالقرب من قرية القبيات في قضاء عكار "رحبوا" بعمال الإغاثة هناك عن طريق قذفهم بالحجارة في البداية، وهذا مؤشر على السخط بسبب تسليم المساعدات إلى السوريين فقط في منطقة مهملة تاريخياً من قبل الحكومة اللبنانية. وأضافت أنهم ازدادوا ترحيباً بعمال الإغاثة عندما بدأوا يستفيدون من المساعدات هم أيضاً.
وقد حاول بعض السكان المحليين أيضاً استغلال الوضع لمصلحتهم.
"فبعض الملاك اللبنانيين اجتذبوا السوريين إلى منازلهم بغرض إعادة تأهيل [المنازل]،" كما أفاد مادس الماس، المدير القطري للمجلس النرويجي للاجئين، الذي يمنح الملاك تمويلاً ليجعلوا منازلهم مناسبة أكثر لإيواء اللاجئين. وأضاف قائلاً: "عندما قيل لهم أن بيوتهم لا تفي بمعاييرنا، تلقينا تهديدات بفضحنا أمام وسائل الإعلام".
وقال واتكينز أن مجتمع المعونة شهد هذا التحول في شعور المجتمعات المضيفة، وحاول تصميم برامج وفقاً لذلك، مع التركيز على تحسين الأوضاع العامة والخدمات في تلك المناطق لتحقيق المنفعة للاجئين ومضيفيهم على حد سواء. وتشمل هذه البرامج شراء الأدوية لتجديد الصيدليات، وضخ السيولة في الاقتصاد من خلال تقديم مشاريع النقد مقابل العمل للشعب اللبناني، وتوفير الائتمان لمساعدة الشركات الصغيرة على بدء أنشطتها.
وقال واتكينز "لكن للأسف، من الصعب جداً العثور على جهات مانحة تحبذ هذه [الأنواع من البرامج]".
"ومن الناحية النظرية، تفهم [الجهات المانحة] مدى أهمية هذا، ولكن إذا قيل لهم أن لديهم كمية محدودة من الموارد، وأنهم سوف يختارون بين طريقة ضخ النقود في الاقتصاد اللبناني لمساعدة الشعب اللبناني أو ضخ النقود في عملية إغاثة تقدم الغذاء والمأوى للاجئين المحرومين من كلاهما، فإنهم يختارون الخيار الثاني بشكل عام،" كما أوضح مضيفاً أن "هناك توترات، وهذه التوترات سوف تزداد سوءاً".
اهتمام الجهات المانحة؟
وسيعقد مؤتمر دولي في 30 يناير في الكويت بهدف حشد التمويل لمشاريع المساعدات داخل سوريا والدول المجاورة في استضافة قرابة 700,000 لاجئ مسجل. ويبلغ إجمالي النداءات 1.5 مليار دولار، ولكن الجهات المانحة قدمت أقل من 50 مليون دولار منذ إطلاق النداءات في ديسمبر 2012.
وقد نفذت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين ما يسمى بالمشاريع ذات الأثر السريع - مثل تجهيز قاعات المسجد، وفتح مكتبة عامة، ودعم الجمعيات التعاونية الزراعية - بعد عقد اجتماعات مع الطوائف اللبنانية أعرب خلالها السكان عن احتياجات قراهم كما يرونها.
الصورة: جودي هيلتون/إيرين
لبنان هو البلد المجاور الوحيد الذي لا يضم مخيمات للاجئين، وإنما يعيش اللاجئون فيه في البلدات والمدن بدعم من السكان المحليين
وقد نفذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أيضاً مشاريع مماثلة في وادي خالد وفي بلدة عرسال في وادي البقاع، حيث يقطن الكثير من اللاجئين. وقال المدير القطري للبرنامج لوكا رندا أنه يأمل في توسيع هذا النوع من البرامج في جميع أنحاء البلاد، وأنه على اتصال مع العديد من الجهات المانحة بشأن هذه المسألة. وقال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "نأمل أن يسفر اجتماع الكويت عن نتائج".
وتشمل خطة الاستجابة الإقليمية التي ترأسها مفوضية الأمم المتحدة للاجئين مشاريع تدعم المجتمعات المضيفة، مثل نداء الحكومة اللبنانية المنفصل بقيمة 180 مليون دولار، والذي تم إطلاقه في ديسمبر ويجري حالياً مراجعته وفقاً لأعداد اللاجئين المتزايدة باستمرار.
ويقول مراقبون أن قدرة الحكومة على التعامل مع أزمة اللاجئين المتصاعدة محدودة، نظراً للمشاكل الاقتصادية التي تواجهها البلاد وسياستها القائمة على الاستقطاب. والجدير بالذكر أن لبنان هو البلد المجاور الوحيد الذي لا يضم مخيمات للاجئين، وإنما يعيش اللاجئون فيه في البلدات والمدن بدعم من السكان المحليين.
قال وائل أبو فاعور، وزير الشؤون الاجتماعية مؤخراً لصحيفة ديلي ستار اللبنانية أن المخيمات قد تكون هي الحل الوحيد في القريب العاجل.
ربع السكان
وقالت الحلو أن هناك 811,000 سوري في لبنان - بما في ذلك المهاجرون واللاجئون والزوار، فضلاً عن ما لا يقل عن 450,000 لاجئ فلسطيني، وبالتالي فإن عدد "الضيوف" الأجانب يصل إلى ربع سكان لبنان. وتتوقع الأمم المتحدة أن يزيد عدد اللاجئين السوريين في لبنان، الذي يعادل بالفعل خمسة بالمائة من السكان، إلى ما لا يقل عن 300,000 شخص بحلول يونيو القادم.
وأضافت الحلو أن "لبنان لا يستطيع مواجهة هذا الوضع بدون دعم إضافي. لقد وصل لبنان إلى الحد الأقصى".
ويقول المراقبون أن الحكومة مشغولة على جميع المستويات بالأزمة السورية وتأثيرها على الأراضي اللبنانية.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أفاد سامي الضاهر، مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية والتنمية، الحكومة اللبنانية خفضت تقديرات النمو الاقتصادي لعام 2013 من 4 بالمائة إلى ما بين 1.5 و2 بالمائة بسبب الاضطرابات السائدة في المنطقة. وقد ضربت الأزمة صادرات لبنان عبر سوريا والتجارة الحدودية مع سوريا وصناعة السياحة.
وحاولت وكالات الإغاثة بالفعل تكييف البرامج وفقاً لذلك. فبدلاً من توزيع المواد الغذائية على سبيل المثال، يمنح برنامج الأغذية العالمي اللاجئين قسائم الطعام لشراء الطعام من المتاجر المحلية التي وقع معها عقوداً. وبدلاً من خلق فرص عمل للسوريين على وجه التحديد، تحاول المفوضية تنظيم وضع اللاجئين الذين دخلوا بطريقة غير شرعية لجعل التنقل بحرية والوصول إلى سوق العمل المشتركة أسهل بالنسبة لهم. كما تقوم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بإعادة تأهيل المدارس التي تقبل الطلاب السوريين واللبنانيين في محاولة لضمان أن يصب عملها في حالات الطوارئ في مصلحة اللاجئين السوريين في التنمية الطويلة الأجل في المنطقة.